نصر حامد أبو زيد: من دراسة الّلغة إلى تفسير النصّ القرآنيّ
يقترِحُ أبو زيد أيضًا، قراءةً جديدةً لـ"علوم القرآن" الّتي تميّز بين "النصّ المقدّس" والظروف الموضوعيّة لظهوره. ولهذا السّبب، يستنِدُ إلى "مفهوم النصّ" الّذي يُظهِرُ أنّ النصّ في تفاعُلٍ دائم معَ بيئتِهِ. ويفسّرُ أنّ التعرّف على هذه الحقيقة يسمحُ بسياقين تفسيريين: الأوّل هو مباشر، ويهدِفُ إلى استخلاص الدلالة والمعنى في النصّ الدينيّ؛ والثّاني هو غير مباشر، ويرتبِطُ بمجالاتٍ علميّة مختلفة عن "العلوم الدينيّة". وإذا ما اتّفقَ على أنّ القرآن في شموليتهِ هو نتاجٌ ثقافيّ مستقلّ عن "مصدرِهِ الدينيّ" الّذي ينادي به المسلمون، يُمكِنُ إذًا إخضاعُهُ كأيّ نصٍّ لمنهاج القراءة الحديثة كالقراءة التأويليّة وعلم الدلالة، لأنّهُ غيرُ قابلٍ للفصلِ عن نظامٍ ألسنيٍّ ثقافيٍّ معيّن . وهذا ما يجعَلُ من الّلغة والبيئة الثقافيّة مرجعٌ لشرحِ القرآن وتفسيرُه.
ويرجعُ منهج نصر حامد أبو زيد، بشكلٍ واضح، إلى دراسات النّصف الثّاني للقرن العشرين حول نصوص القدّيس بولس في الكتاب المقدّس المسيحيّ. وفي هذا الميدان، استخدم المفسّرون موارد فقه الّلغة، والألسنيّة، والنقد الحرفيّ، والنظريّة الأدبيّة والأنواع الأدبيّة في سبيلِ فتحِ حوارٍ بنّاءٍ وإنسانيٍّ بين النصّ، والكائن، والتاريخ والبشريّة. وتّتبعُ الدراسات الّتي اقترحها أبو زيد هذا المنظور، ونقطة انطلاقها هي الإقتناع بأنّ القرآن لا يمكِنُ فهمه إلّا من خلال إعتباره جزءًا لا يتجزأ من ثقافةٍ ناشطة ينتمي إليها، وكنصٍّ أصبح بعد بضع سنوات مهيمن في الثقافة، ومن ثمّ كنصٍّ تخطّى إطارَهُ الثقافيّ للتأثيرِ في "ثقافاتٍ" أخرى. وهكذا، يعتبِرُ أبو زيد أنّ الإقرار بوجودِ النصّ في الثقافة لهُ نتائج أخرى غير الإقرارِ بشكلٍ واضح بوجودهِ في وجدان المؤمنين المسلمين. ولهذا السّبب، لا يرى من تناقضٍ بين تطبيق المقاربة الّلغويّة للقرآن والإيمان بـ"مصدرِهِ الإلهيّ".