محمّد عابد الجابري: مقدّمة للقرآن الكريم في سبيلِ فهمٍ أفضل
يدعو الجابري في كتابه Nous et le patrimoine "نحن والتراث"إلى قراءةٍ جديدة لـ"التراث العربيّ-الإسلاميّ" مشدّدًا على مسائل المنهجيّة. ويولي إهتمامًا أكبر بالإرث الفلسفيّ من الإرث الفقهيّ، ما تسبّب له بالإنتقادات. ويقترحُ منهجيًّا التمييزَ بين مصطلحين لدى مقاربة الماضي: أ- "الفصل" الّذي يتيح قراءةَ "الإرث" في سياقٍ محدّدٍ ظهرَ فيهِ وتبلورَ؛ ب- "الوصل" الّذي يجب أن يجعل من قراءة التراث فعلًا معاصرًا بحيث ينتقل المقروء إلى حقل إهتمام القارئ بهدفِ إغناءه وبناءه من جديد.
ويقترِحُ، بعد أن إقتنَعَ أنّ إصلاح الحاضر يرتبط بفهم الماضي، قراءة القرآنِ كنصٍّ لا يرتبط بالإبداع الإنساني المتعلّق بالتراث. ونشرَ سنة 2006 كتابًا بعنوان "مدخل إلى القرآن الكريم" ويليهِ كتابٌ آخر بعنوان "معرفة القرآن الكريم": أيّ تفسيرٌ بحسبِ الترتيب الزمنيّ للنزول ، في ثلاثة مجلّدات. ويشرَحُ الجابري في مقدّمة الكتاب الأوّل ، أنّ ما حدث في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر وما جرى بعدَهُ قد خفيا، في الوقت نفسِهِ، عن إدراك الفكر العربيّ الإسلاميّ كما الفكر الأوروبيّ. ولقد أدّى بهِ هذا الإقرارُ إلى كتابة هذه الموسوعة حول "القرآن الكريم"، النصّ المؤسّس للحضارة العربيّة الإسلاميّة. ويشرحُ أنّ هذا النصّ يربُطُ بين ما هو دينيّ وعالميّ. ولكنّهُ لا يمنعُ من فهمِ المنطق السياسيّ والتّاريخيّ الوارد في السّياقِ الّذي كان في الأصلِ سياقَهُ. ولهذا السّبب، يبدو أنّ من المهمّ جدًّا العودةَ إلى الترتيب الزمنيّ لنزول السّورات. ولا يقتصِرُ الجهد الأساسيّ لمحمّد الجابري إذًا على دراسة جوهر النصّ القرآنيّ وفلسفتِهِ بشأن الكون ووجود الإنسان، بل على عملٍ تدقيقيّ في كلّ ما أضيف إليه خلال العصور. ويهدفُ إلى توضيحِ آليّات فهم القرآن عن طريقِ استكشافِ الحواشي المليئة بملاحظاتٍ تفسيريّة وتأويليّة لا تحصى واقتراح التمييز بين "النصّ" و "الحواشي". ولا يمكن إهمال هذه الحواشي بل ربطها بزمنها بحيث يصبح ممكنًا فهم النصِّ في ديمومةِ جوهرهِ.