تصور غير مسيحي للطبيعة
على الرغم من احتراس المؤلف وتردداته، يعرض كتاب "أصل الأنواع" تصوراً للطبيعة يتعارض كل التعارض والتصور المسيحي السائد عند صدوره. ويبدو هذا الأمر جلياً تماماً في النسخة النهائية عند المقارنة بين آيات سفر التكوين (راجع قصة الخلق في سفر التكوين) والمقطع الأخير من أصل الأنواع (راجع قوانين التطور بحسب داروين). ومع أنّ داروين قد أدرج من جديدٍ كلمة "الخالق" في طبعته الثانية عام ١٨٦٠، يختلف تفسير أصل الكائنات الظاهرة في السطور الأخيرة من الكتاب تمام الاختلاف عما جاء في الكتاب المقدس.
ويشدد داروين في كتابه على مفهوم قوانين الطبيعة وتبدل الكائنات الحية، الأمر الذي يتعارض وفكرة الخلق الإلهي وثبوتية ما يصنعه الخالق. ومع ذلك، ليست فرضية تطور الأحياء بجديدة. ولقد انتشرت بشكلٍ واسعٍ أفكار جان باتيست لامارك[1] (Jean - Baptiste Lamarck) حول تبدل الأجناس التي جسدها في كتابه الفلسفة الحيواناتية (La Philosophie Zoologique) في العام ١٨٠٩ وخلال نصف قرن. ويقترح مؤلفون علمانيون ودينيون عديدون في إنكلترا بشكلٍ خاص، تصوراتٍ لقوانين لا تعني الكائنات الحية مباشرةً بل قوانين ظهورها ومخطط خالقها الشامل وهي تطوراتٌ تتلاءم والتطورية التي تتوافق على ما يبدو مع الصورة المسيحية لإلهٍ خالق. وعام ١٨٤٤، تسبب كتاب History of Creation وهو كتابٌ مجهول الهوية بفضيحةٍ في المملكة المتحدة مع العلم أنه كان الأكثر مبيعاً. والمؤلف الذي عرفت هويته لاحقاً هو الإعلاني ومبسط العلومروبرت تشامبرز[2] (Robert Chambers). ويقترح جدولاً للتطور يتلاءم إلى حدٍ كبيرٍ وفكرة إلهٍ حكيمٍ وصالحٍ يتطابق والإله الذي جاء في اللاهوت الطبيعي. وتتوافق الأسطر الأولى والأخيرة في الوثيقة ٣ مع هذا التطور.
ويشدد داروين في كتابه على مفهوم قوانين الطبيعة وتبدل الكائنات الحية، الأمر الذي يتعارض وفكرة الخلق الإلهي وثبوتية ما يصنعه الخالق. ومع ذلك، ليست فرضية تطور الأحياء بجديدة. ولقد انتشرت بشكلٍ واسعٍ أفكار جان باتيست لامارك (Jean - Baptiste Lamarck) حول تبدل الأجناس التي جسدها في كتابه (La Philosophie Zoologique) الفلسفة الحيواناتية في العام ١٨٠٩ وخلال نصف قرن. ويقترح مؤلفون علمانيون ودينيون عديدون في إنكلترا بشكلٍ خاص، تصوراتٍ لقوانين لا تعني الكائنات الحية مباشرةً بل قوانين ظهورها ومخطط خالقها الشامل وهي تطوراتٌ تتلاءم والتطورية التي تتوافق على ما يبدو مع الصورة المسيحية لإلهٍ خالق. وعام ١٨٤٤، تسبب كتاب History of Creation وهو كتابٌ مجهول الهوية بفضيحةٍ في المملكة المتحدة مع العلم أنه كان الأكثر مبيعاً. والمؤلف الذي عرفت هويته لاحقاً هو الإعلاني ومبسط العلوم روبرت تشامبرز (Robert Chambers). ويقترح جدولاً للتطور يتلاءم إلى حدٍ كبيرٍ وفكرة إلهٍ حكيمٍ وصالحٍ يتطابق والإله الذي جاء في اللاهوت الطبيعي. وتتوافق الأسطر الأولى والأخيرة في الوثيقة ٣ مع هذا التطور.
واستخدم داروين جزءًا من هذه العناصر، كما تشير إلى ذلك الأسطر الأولى والأخيرة من المقتطف المأخوذ. ولكنّ الرهان الأساسي هو في مكانٍ آخر. فهو يظهر في العنوان الكامل للكتاب. وهو لا يتعلق بالتطور البيولوجي بل بعملية الإنتقاء الطبيعي. وبعد قراءة مالتوس (Maltus) عام ١٨٣٨، أدرك داروين أنّ الضغط الديموغرافي هو المحرك الحقيقي لتبدل الكائنات الحية. وبالتالي، تؤدي الموارد الغذائية القليلة إلى تنافسٍ بين الكائنات الحية وتنازع البقاء. والحال أنّ هذا التنازع يتم بشكلٍ غير متكافئ لأنّ لكل فردٍ خصائص صغرى أي تبدلاتٍ في اللغة البيولوجية السائدة في ذلك الحين التي تميزه عن أترابه. ويمكن لهذه التبدلات أن تمنحه أو لا امتيازاً ما في هذا التنازع الذي يؤدي إذاً إلى فرزٍ وانتقاءٍ يسمح ببقاء وتكاثر الذين يتمتعون بتبدلاتٍ مؤاتية.
وتشكل نظرية الإنتقاء الطبيعي العنصر الجديد الأكثر جذرية وحداثة ويصعب توافقه بشكلٍ كبير والتصور المسيحي للطبيعة. ذلك أنّ التطور الناتج عنه هو "حرب الطبيعة الذي يترجم بالمجاعة والموت" والذي يؤدي في مرحلةٍ ثانية إلى "إنتاج الحيوانات الكبرى". وتتيح هذه النتيجة التي اعتبرها داروين أروع ما يمكن تصوره إنقاذ شيءٍ من العنصر الإلهي. ولكنّ التصور المقترح القائم على التنازع والتهديم يصطدم بتطورٍ قائمٍ على تناغم الطبيعة والذي يترجم بالطبيعة الإلهية السائدة في اللاهوت الطبيعي.
وتطاول نقطةٌ إشكاليةٌ أخرى في نظرية داروين التبدلات. فبعد العديد من الأبحاث، وفي حين أنّ العلماء لا يملكون أي تفسيرٍ صحيحٍ للآليات الدقيقة للوراثة وتناقل الطباع، أدى الأمر بداروين إلى التأكيد أنّ التبدلات هي نتيجة أسبابٍ عديدة ومعقدة جداً إلى درجة لا يمكن معها أبداً تفسيرها وأنّ من الواجب أن نعتبر، لعدم وجود تفسيراتٍ أفضل، أنها تظهر "عن طريق الصدفة". والصدفة الداروينية ليست خاصة بعلم الكائن بل بنظرية العلوم. وليس من المفيد بحسب داروين أن نعرف كيف تتم هذه التبدلات ليكون التفسير عن طريق الإنتقاء الطبيعي صحيحاً. والحال أنّ إدراج "الصدفة" في النظرية يزيل أي غائية حول "التنوع" المذكور في آخر سطرٍ من الوثيقة : أي من المستحيل التنبؤ على المدى المتوسط والبعيد إلى أين تقود عملية التطور لأنّ من المستحيل تفسير كيفية ظهور التبدلات التي يؤمّن الإنتقاء الطبيعي الحفاظ عليها. وهذا ما يتعارض وتصورٍ للخلق الإلهي بواسطة قوانين طبيعية تهدف إلى الكمال وتنظيمٍ وفق تصميمٍ معين. والأكثر من ذلك أنّ الأمر يحرم الإنسان من موقعه المميز على اعتبار أنه نتيجة خطة الخلق، ما يشكل وسيلةً لتشامبرز وغيره لإنقاذ الفكرة اليهودية المسيحية القائلة بخصوصية الإنسان في الطبيعة.
هذه النقاط المختلفة وخصوصاً اللجوء إلى الصدفة غير مقبولةٍ في الغالبية العظمى من الحالات حتى بالنسبة إلى أولئك الذين تبنوا لاحقاً الداروينية. وقد أبرز معارضون داروين هذه النقاط ليؤكدوا على أنّ نظريته تتعارض والمسيحية.