مقدمة
في بداية القرن العشرين، انطلقت الطائرة في سماءٍ سبق للمنطاد أنّ استكشفها المنطاد. وبعد انتشار العديد من الإكتشافات التقنيّة خلال القرن السّابق، لم تعد الكنائس الأوروبيّة تعتبر عالم التقنيّات بمثابة متعدّي على "الخلق" بحسب ما كان قد ذكره البعض عند ظهور الآلات البخاريّة الأولى، أو بمثابة ديانةٍ منافسة جديدة. لذلك، لاقى الطيران، أكثر من الإبتكارات الأخرى، شغفًا شعبيًّا يعكسُهُ خطابٌ ملحميٌّ غالبًا ما يتاخم التعبّد الدينيّ، ويشكّل مرحلة مهمّة في علمنة المجتمع.
وحتّى اليوم، غالبًا ما يقرُنُ تاريخُ الطيران المعرفة العلميّة والمتبصّرة، وحتّى الباحثين بسردٍ ملحميٍّ يطبعُهُ من التديّن. ويمكن وصف روّاد الطيران بالأنبياء، والطيّارين بالملائكة، وقد إحتفظ الطيّار جان مرموز[1] ( Jean Mermoz) بلقب رئيس الملائكة منذ ثلاثينيّات القرن الماضي. ولم يكن المؤرّخون المتمرسون في مأمنٍ من هذا الإفتتان، كما يظهرهُ هذا المقطع المأخوذ من سيرةِ حياةٍ حديثةٍ:« "هكذا تنتجُ أسطورةُ بطلٍ حديثٍ، خادمٍ ونبيِّ ديانة الطيران، الّتي يشحذ مخيّلة المجتمع ويثير تطلّعاتهم'' »
(، ميشال فوشو, Michel Faucheux مرموز، 2013.) فضلًا عن ذلك، يلجأُ الكاتب إلى كلامٍ مهمّ حول التصوّرات الصوفيّة للطيّار
ولم يطل الوقت حتّى استعمل الكاثوليك خصوصًا الطيران لأهدافٍ تبشيريّة، بعد أن قلب رأسًا على عقب علاقة المؤمنين بحقيقة "السّماء"، فشجّع الطيران الحجّ في الفضاء الأوروبيّ-المتوسطيّ، وتتطلّب استملاكًا متنوّعًا للطائرة والمطار، هذه الأماكن الّتي ابتُكرَت خلال القرن العشرين.