عناصِرْ متناقضة في برهنة غاليليو
نظرًا إلى هذه الحلول وطرق المواجهة، يُطرح السؤال لمعرفة سبب عدم نجاح غاليليو بإبراز الحلّ 2'، أيّ إقناع منافسيه في عقلانيّة نظام مركزيّة الشّمس الّذي فرض على ما يبدو فهمًا استعاريًّا لبعض المقاطع المأخوذة من النصّ التوراتيّ. وتتوقّف الإجابات الحديثة على القول إنّ برهنة غاليليو ليست مقنعة لأنّه لم يكن لا عقلانيّ ولا علميّ، بحسب المعايير العلميّة في عصره. ويرتكز التحليل الآتي على كتابِ فيلسوف العلوم بول فايراباند[1]Against Method و خصوصًا على العلاقة بين دائريّة النظريّة والمراقبة.
وفقًا لفيزياء أرسطو السّائدة في ذاك الزمن، وإذا كانت الأرض تدورُ لا يصطدم الحجر الّذي يتمّ رميُهُ من البرْجِ عند أسفلِ هذا البرجِ، ولكنّ أبعد بقليل لأنّ الأرض ستتحرك في الوقت الّذي سيتمّ رمي الحجر. ولكنّ الأمرَ مغايرٌ، وهذا هو أحد أقوى براهين معاصري غاليليو لصالِحِ نظام مركزيّة الأرض. وللتصدّي لهذا البرهان، طوّر غاليليو نظريّة جديدة بشأن الجمود يمكنها أن تفسّر سبب وقوع الحجر عند أسفلِ البرجِ على الرغم من دوران الأرض. ولكنّ كيف تمّ تثبيت نظريّة الجمود هذه؟ من خلالِ قبول عقيدة كوبرنيكوس، ارمِ حجرًا من البرجِ وراقب أنّها ستقع عند أسفل البرجِ تمامًا. ولكنّ لماذا يتمّ القبول بعقيدة كوبرنيكوس، لأنّ نموذج كوبرنيك، بقبولِ شرط نظريّة الجمود، يتكهّن بأنّ الحجر يقعْ عند أسفلِ البرج. ويرتبط قبول إحدى النظريتين بقبول الأخرى لتفسير هذه الظاهرة الّتي لا تشكّل مشكلة في ذاتها في نظامِ بطليموس.
تميّزُ فيزياء أرسطو أساسًا بين"العالم الأرضيّ"[2] و "العالم السّماويّ"[3]. وتعتبرُ قوانين الفيزياء السّائدة في هذا العالم، حيث تكون حركة الأشياء فوضويّة جدًّا وكأنّ لا علاقة لها بالقوانين الأبديّة الّتي تتحكّم بالكوكب والنجوم الثّابتة. ويريد غاليليو، بفضل منظاره الّذي يعمل بشكلٍ رائع في العالم الأرضيّ، أنّ يتخطّى هذا الحدّ وأنّ يثبت وقائع سماويّة، وهذا هو نهجه الآتي: لماذا نعتقد أنّه أداة حَريّة بالثّقة لمراقبة العالم السّماويّ؟ لأنّ المنظارَ يؤكّد عقيدة كوبرنيكوس، كما يقول غاليليو. ولكنّ لماذا نؤمن بعقيدة كوبرنيكوس؟ لأنّ المنظارَ يؤكّدها. وعدا عن ذلك، فإنّ الرّسومات الّتي أتى بها غاليليو لسطح القمر وخصائصه لا يشبه بشيء سطح القمر. كما يمكن مراقبته بفضل الرسائل التقنيّة الحديثة.
حوارهبالإضافة إلى ذلك، يقتضي الملاحظة أنّ غاليليو لم يذكر فيحواره نماذج مركزيّة الأرض الأكثر تقدّمًا في زمنه، كالنماذج الّتي أتى بها تيخو براهي[4] (Tycho Brahe)، على الرغم من أنّه عرفها. والحال أنّ، هذه النماذج تهدف إلى تفسير بعض الملاحظات الّتي اتّخذها غاليليو كإثباتٍ لمركزيّة الشّمس. والأهمّ، ولتأييد هذه النّظريّة قدّم منذ سنة 1616 تفسيرًا للمدّ والجزر. ولكنّ كما لاحظ معارضوه لا يمكن للعناصر الّتي أتى بها أنّ تفسّرَ مدٍّ وجزرٍ واحد في اليوم، وهذا غيرُ كافٍ لإثباتِ هذه الواقعة.
إنّ التحدّي الّذي قبِلَ به غاليليو، بعد كوبرنيكوس، هو خطيرٌ للغاية: فالبنسبة إلى سائرِ البشر ليس من البديهيّ بشيءٍ تأكيد أنّ الأرض تدور. ويرتكز غاليليو على براهين دائريّة، ويقدّم ملاحظاتٌ ذات قيمة مشكوك بأمرها (كالمنظار) أو حتّى لتدحضدها التجربة (المدّ والجزر)، ويتحدّى معايير منهجيّة أساسيّة (كإخفاء براهين تيخو براهي (Tycho Brahe)، ورسوماتٍ متخيّلة إلى سطح القمر). وإذا ما ربطت هذه العناصر بالعلاقة بين الحجّة والسّياق الّتي طرحت في هذه القضيّة، فهي تفسّر لماذا لم يوافق عددٌ كبير من علماء ذاك القرن على ما قاله عالم رياضيّات دوقيّة توسكانا الكبرى. وبمعزلٍ عن إشكاليّة تفوّق شرعيّة نظام مركزيّة الأرض على نظام مركزيّة الشّمس، كان أكثر عقلانيّ لا بل أكثر علميّ في زمن أن لا يتمّ إتباع غاليليو.