مفهوم السلطة السياسية عند ابن تومرت
خلافا لابن ياسين، فقد ترك محمد ابن تومرت، مدونة يشرح فيها نظريته في السلطة السياسية والدينية. ولد بسوس في نهاية القرن الحادي عشر؛ ابن لأحد أعيان قبيلة أمازيغية بارزة، وهي قبيلة أَرْغْنْ. تلقى تكوينه بمراكش، حسب المذهب المالكي، ثم رحل إلى قرطبة حيث تشبع بمذهب أبي محمد بن حزم[1]. توجه بعده إلى الشرق حيث عمق معارفه في أصول الدين[2]، ثم انضوى تحث المذهب الأشعري لتفسير الآيات المبهمة. أكد الكتاب الإخباريون على الالتزامات الصارمة لابن تومرت المبنية على "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" : تحريم استخدام الآلات الموسيقية؛ تحريم استهلاك المشروبات الكحولية؛ يرفض كل أشكال الاختلاط العمومي بين الجنسين . رفضه أهل الإسكندرية كما تمّ إبعاده من مدينة بجاية، التي التقى في محيطها بشخص ينتمي إلى قبيلة كومية: عبد المومن الكومي. يعد هذا اللقاء الذي تناولته كتب السير مصيريا بالنسبة للرجلين .
أقام ابن تومرت بمراكش في سنة 1121، قاد مناظرات مع فقهاء المرابطين الموصوفين ب"الكفار". انتقد مباشرة علي بن يوسف، دون السعي للإطاحة بسيادته، وذلك ببناء حججه على ثلاث نقاط : الميزة التعسفية للسلطة؛ السلوك الأخلاقي الإباحي؛ تجسيم عبارات مرتبطة بالذات الالهية. وقد انقلب موقف ابن تومرت من السلطة المرابطية بالمواجهة المباشرة ضدها بعد محاولة القبض على العالم المتمرد بإغلوان، في الاطلس الكبير. ابتداءا من هذه اللحظة، لم يتوقف ابن تومرت عن تنظيم حركة ذات شكل سياسي وديني. في كتابه" أعز ما يطلب"، استعاد هذه العناصر وبرر الجهاد[3] ضد المرابطين (انظر الرابط) : "إذا ساعدوكم في القيام بالجهاد ضد الكفار، اتركوهم في سلام [...] إذا تمردوا على الحقيقة واستمروا في تقديم المساعدة لأهل الباطل والفساد، إذن أقتلوهم أجمعين أينما وجدوا ولا تختاروا من بينهم الرفيق أو الحليف".
إضافة إلى إعلان انتماءه إلى السنة وذلك باعترافه بخلافة الخلفاء الأربعة الأولين- وليس بخلافة الائمة الذين هم من نسب علي-، استعار ابن تومرات، بين سنة 1125و1130، مبادئ من نظرية السلطة الشيعية، المرتكزة على شخصية المهدي[4]. السياق هنا خاص : قام المرابطون بالضغط على انصار ابن تومرت الذي أخذ على عاتقه هذه المرجعية لكي يحافظ على الأمل وولاء قواته. العناصر التي تم استدعاؤها هي كالتالي : ميزة العصمة، وهو ما يدل على أن المهدي معصوم من الخطيئة ومنزّه؛ الاشارة لاسم- "محمد بن عبد الله القرشي الحسيني"- التي تجعله ينتمي إلى قبيلة قريش التي ينتسب لها نبي الإسلام؛ محاولة القطيعة مع أشكال الولاء القبلي، من أجل إعادة توجيهها نحو شكل حصري (انظر الرابط). أكد ابن تومرت على أن سلطة المرابطين والفاطيمين والعباسيين ليس فقط غير شرعية، لكنه إلى الطاعة الواجبة نحوه هي نفس الطاعة "تجاه الله ورسوله". قويا برجاله، شن هجوما عسكريا حاسما في معركة البحيرة، والتي انهزم وقتل فيها.
لم ينهزم هذا الاندفاع، بل تواصل بشجاعة معززة، لم يخلف ابن تومرت ابنا من بعده، ولم يعين أحدا من إخوته كخليفة له. يرى أتباعه في ذلك اقتداء بنبي الإسلام الذي ترك لأعضاء الشورى[5] السهر على تعيين خليفته بعد موته. هذا الاختيار يبعد نهائيا التأثيرات الشيعية. حكومة جماعية تتكون من خمسة أعضاء من بينهم امرأة تتبوأ ممارسة الحكم : عبد المؤمن الكومي، واسماعيل إكويك، وعمر أزناك، وأبو محمد وزنار، وزينب (أخت ابن تومرت). تتضارب المصادر فيما يخص الاهتمام الذي خصّ به ابن تومرت عبد المؤمن، عضو قبيلة مرموقة. أيّا كان، فإن هذه الشخصية اكتسبت شهرة مرموقة، بفضل قدرتها على إقامة التوازنات بين القبائل الأمازيغية والعربية، وإعادة ترتيب تسلسلهم : قبيلته، "Comih Alznatih"، كادت تلحق بقبيلة ابن تومرت هرغة المصمودية التي نجدها في قمة الترتيب القبلي، فيما كانت تشكل باقي القبائل ترتيبا يأتي في الدرجة الثالثة. أخد عبد المومن قرارين رئيسيين : أعلن الخلافة (انظر الرابط) في الجزء الغربي للإمبراطورية الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى القطيعة بشكل نهائي مع الدولة العباسية، وأقام مبدأ التوارث الأسري للحكم.
انتهت نظرية السلطة السياسية حسب المنظور السني إلى فرض نفسها. في حالة ابن تومرت، الإحالة إلى المهدوية والتي هي أقرب إلى المنظور الشيعي، حددتها الظروف. مع ذلك، فإن نظام الحكم تم بناءه على سلطة تقريرية للشورى لم تقاوم مع مرور الوقت. اختار خلفه المباشر عبد المؤمن نظاما توريثيا. أدت ضبابية القوانين المنظمة لتولية السلطة إلى مشاكل مستمرة بعد وفاته وفرضت عدة سلالات بالتتابع نفسها بالقوة إلى غاية القرن الخامس عشر .