نحو نظرية العقد السياسي
يفكّر منظرو الدولة في المملكتين، في الدور الذي يجب أن يلعبه الشعب،على ما يتراءى، للتخفيف من الآثار السلبية للضرائب الملكية. يفضون إلى فكرة "المصلحة المشتركة"، التي يمكن تقديمها كحدّ لكنها في نفس الوقت وضعت لتبرير السلطة الملكية. في قشتالة، تذكر النظريات الملكية أن على الملك أن يأخذ في الاعتبار حاجيات المملكة وليس فقط مصالحه الخاصة (Cien Capitulos, Espéculo). ونشير في غالب الأحيان غلى (utilitas) أو (necessitas regni) أو المصادر الديبلوماسية المحلية (pro comunal, pro de la terra, pro del regno) التي المصلحة المشتركة. للملك كامل السلطة القانونية لأن الهدف من وجوده هو تحقيق العدالة للجميع (Partidas). وفي المقابل يقوم بواجبات معينة تتمثل في البحث عن سعادة شعبه، أن يحب رعاياه وأن يحافظ على السلام ويدير العدالة، هذه الواجبات يجب أن تدرج ضمن سلوكه اليومي (Partidas). فهو خاضع لقوانين التي يصدرها (Espéculo) ويمنع منعا كليا من تقسيم المملكة أو التنازل عنها. إذا كان بعض الكتاب قد تطرأ لإمكانية انحراف جائر أو فضحه، يرفضون مع ذلك إضفاء الشرعية على أي عملية ضد الملك. في المقابل، يبررون قمع الثورات ضد السلطة الملكية والتي تضرّ بالممتلكات العامة. إن مفهوم المصلحة العامة، في فرنسا، قليلا ما يتم استدعاؤه لتعزيز السلطة الملكية من دون تنازلات. إن كتاب (Le Dialogue du clerc et du chevalier) يبرر خضوع الكنيسة للسلطة الملكية، وفي (Coutumes du Beauvaisis) (في شكل "منفعة مشتركة")، يسمح بتأكيد السلطة العليا للحاكم.
تسعى الملكية، في كلتا الحالتين، للحصول على موافقة المملكة بكاملها لتقويتها. تحاول (Partidas) أن تحفز على نوع من الوطنية وذلك بشرح أن السكان، بطبيعتهم، مجبرون على حب الأرض التي ولدوا فيها، وكذلك المملكة وعبرها الملكية. هذا المنطق يسمح أيضا للحاكم أن يطالب، بطرق فيودالية، نوعا من (ligesse[1])، تنطبق على جميع رجال المملكة (Partidas)، وإدانة، مسبقا، كل تمرد مسلح. في فرنسا، يضع حكم فيليب لو بيل حدّا لمشاريع دولة جهورية تقيمها الديانة المسيحية، يصوغها كتاب سكولاستيكيين (scolastique) مثل توماس الأكويني[2] أو بيير دو جان أوليفي[3]. تشير النظريات الجديدة إلى دولة ملكية مركزية محتكرة الثروة، لكنها تحسن بشعبها وذلك بفضل قدرتها على إعادة توزيع الثروة. عمليا، يحاول الملك أن يكتسب الشعب وذلك بتوجه الرأي عن طريق الكتابات وإقناع مختلف الجمعيات (في سنة 1308، من أن يأخذ قرارا بشأن مصير الفرسان).
على عكس ما أشار إليه التسلسل الزمني والتمثلات السطحية بخصوص المملكتين، فإن قشتالة ألفونسو العاشر وضعت بطريقة جذرية نظرية جديدة وطموحة للدولة، تحت الإشراف المباشر للحاكم. تأسست هذه النظرية بناء على فلسفة أرسطو التي تعتمد في جزء منها على الترجمات والتعليقات العربية، والتي هي الأخرى منقولة عن اللاتينية، حررتها من الخضوع للكنيسة مؤكدة على أن الملك مختار مباشرة من الله، وهذا ما يخوله سلطة عليا. ظلت الملكية الفرنسية، بعد الجيل اللاحق، منكمشة. في مقاربة واقعية لتعزيز الملكية، سمح فيليب لو بيل بحق التعبير لكل الأفكار التي بدت له تساهم في تعزيز الدولة دون أن يؤازرها. لكن بالرغم من ذلك لعب الدين دورا محوريا في العملية التي قادت لتأكيد السيادة الملكية.
ساهمت صياغة هذه الأفكار، في قشتالة، في اندلاع ثورات ضد ألفونسو العاشر. لقد أخفاها حلفاؤه، بحذر، إلى غاية منتصف القرن الرابع عشر. إلا أنها ظلت مع ذلك مرجعا ومدونة قانونية (Partidas)، وتمّ تبنّيها كما هي في سنة 1348 (ordenamiento de Alcala)، واستعملت لاحقا كأساس للقانون الإسباني حتى غاية القرن التسع عشر. إن فشل سياسة الحاكم يرجع نسبيا إلى مفهومه للدولة الملكية، وقد تمّ استعادته لاحقا واختيار وضعه كتابة. إن فيليب لو بيل بتطويره لاستراتيجيات التواصل غير المباشر، يضمن نجاح عمله السياسي، على الأقل في البداية. أثارت تقوية السلطة الملكية، بعد موته، اضطرابات سنوات 1314-1328، مما أدى إلى تراجعها. لقد عرفت الكتابات السياسية في فرنسا خلخلة في القرن الرابع عشر، في حين تمكن المنظرون الإمبراطوريون من تدمير مفهوم التيوقراطية البابوية (Marsile de Padoue, Defensor Pacis, 1324).