السياسة والدين وبناء الدولة (القرن11 -16 / 19)

بداية عملية تأسيس الدولة

بالنسبة للمخطط الإقليمي، ورث ألفونسو العاشر[1] مملكة حديثة التأسيس. أدمج والده فيرناند الثالث[2] سنة 1230 ليون[3] وقشتالة، ثم غزا الأندلس[4]، لاسيما المدن القديمة التي كانت تحت حكم خلافة قرطبة[5] سنة 1236، ثم عاصمة الموحدين منذ سنة 1171، وإشبيلية سنة 1248. لم يقم ألفونسو العاشر بتوسيع مملكته، على وجه التحديد، لكنه كان يراقب الجميع بحزم. وعلى عكس ذلك، فإن فيليب لوبيل[6] لم يحكم المجال الملكي مباشرة، ولكنه ساهم في توسيعه بإدماج منطقة الشمبان. ظلت كبريات الإمارات الفيودالية قائمة (بورغون[7] وبالأخص الفلاندر[8] في تمرد مستمر) وجعل نظام الامتيازات أقاليم كبرى بين أيادي أعضاء آخرين من الأسرة الملكية.

تمتعت قشتالة باستقلالية كبيرة قبالة كل من الإمبراطورية والبابوية. طمح ألفونسو العاشر بإقرار إمبراطورية إسبانية بمقتضى التقاليد المحلية وذلك بأن يجعل من هذا اللقب يعود لحاكم تطال سلطته ثلاث ممالك. وطمح أيضا، ابتداء من 1256 للحصول على لقب إمبراطور جرماني، لأن أمّه كانت أميرة ألمانية. انتخب ملك الرومان عام 1257 في نفس الوقت الذي تقدم فيه منافسه ريتشارد دو كورنواي[9]، ودافع عن ترشيحيه حتى سنة 1275. كما أنه ظل سيّدا للإكليروس (رجل الدين) بدون منازع والذي كان تأثير روما شبه منعدم. وبعد هذه المرحلة بجيل، تبدو مملكة فرنسا لا تزال في مرحلة الغزو. باستفادتها من ضعف الإمبراطورية الرومانية، بدأت في تأكيد استقلالها الكامل. إن علاقاتها مع البابا بونيفاس الثامن[10] متوترة للغاية، والتي تتعارض على مستويين. بالنسبة للجانب الضريبي، فلقد ضاعت من ملك أعشار[11] الإكليروس في أول نزاع ما بين 1296 و 1297. وكان التنافس القانوني سببا في نزاع ثان وذلك ما بين 1301 و1303. لقد حاول فيليب لوبيل أن يقود البابا، الذي قرر في شأنه الحرمان الكنسي، أمام المحاكم بتهمة الهرطقة، لأن هذا الأخير. لقد انتهت القضية "بمحاولة اغتيال أنانيي" التي ذُلّ فيها البابا والتي مات بعده بقليل. إن توازن القوى التي أقامها خليفته البابا كليمنت الخامس[12] أثبتت انتصار ملك فرنسا، بدعم من رجال الدين، على ادعاءات البابا الدينية التي تخلّت عن الفرسان[13] سنة 1312 لتجنب المحاكمة بعد وفاة بونيفاس الثامن.

واجه بناء الدولة مزيدا من المقاومات في قشتالة أكثر منه في فرنسا. إن ترشيح ألفونسو العاشر الإمبراطوري زاد عبئا ضريبيا ثقيلا. إن الكورتس[14] وهي جمعية ممثلة للمملكة أنشأها أبوه، كانت تجتمع بانتظام للموافقة على ترشيحه. قام الحاكم بمحاولات لتوحيد القانون، بداية بالقانون المحلي (البلدي) وذلك عبر الفيرو ريال[15] ابتداء من سنة 1255، تلاه القانون العام وذلك بكتابة مدونة قانونية ما بين 1256 و1265، والسييت بارتيداس[16] التي لخصت القانون القروسطي بأكمله، القانون الروماني والفيودالي في إطار ترشيحه الإمبراطوري. إن العمليات المركزة هذه سببت ثورات متعددة : ثورات طبقة النبلاء العليا (أربع مرات)، ثورة مسلمي المملكة، ومقاومة المدن والكنيسة. عندما طرحت مسألة خلافته سنة 1282، دعمت هذه القوى المعادية تمرد الطفل سانش[17]، ومات ألفونسو العاشر مبعدا عن السلطة. إن المسألة الضريبة هي الأخرى مسألة مركزية في فرنسا فيليب لوبل، بسبب تزايد الضباط الملكيين والحروب ضد الفلاندر. وللتغلب على المقاومات الضريبية المتزايدة، ضمّ في سنة 1314 دول المملكة، وهي بمثابة أول "جمعية ممثلة" في فرنسا، وذلك بعد قشتالة بستين سنة. من جهة أخرى، أبرز النزاع مع البابوية أن الملك يمثل وحده العدالة. ورغم ذلك، لم تسع المعارضات لبلورة الانتفاضة.

  1. ورث ألفونسو العاشر

    ملك قشتالة ولیون )١٢٨٤-١٢٥٢(. حاكم كان على رٔاس عدة مشاریع ثقافي، لكي یعزز، بالخصوص، سلطته الملكیة. ٔاكسبته مجھوداته على المستوى التشریعي لقب "حكیم". لكن رغبته في المركزیة اصطدمت بمقاومات عنیفة، وانتھى حكمه بحرب ٔاھلیة.

  2. فيرناند الثالث

    ملك قشتالة )١٢٥٢-١٢١٧( ثم لیون )١٢٥٢-١٢٣٠(. قام بغزو األندلس الموحدیة ابتداء من ١٢٢٥ بفضل االنتصار الحاسم الذي ٔاحرزه جده ٔالفونسو الثامن سنة ١٢١٢ ب "لاس ناباس دي طولوسا". لقد سمحت له عملیات عسكریة مھمة وتقسیم ٔاراض جدیدة بتحقیق وحدة ساللیة بین قشتالة ولیون بسھولة.

  3. لیون

    مملكة مسیحیة تقع في الشمال الغربي لشبه الجزیرة األیبیریة. ٕانھا تمثل اسمراریة لمملكة دو فیدو )القرن الثامن( والتي تم نقل عاصمتھا ٕالى مدینة لیون في الجنوب مع بدایة القرن العاشر.

  4. األندلس

    مصطلح راھن یستخدم للإلشارة ٕالى المصطلح العربي "األندلس"، استخدم في العصر الوسیى، في العالم العربي اإلسالمي، لإلشارة ٕالى شبه الجزیرة األیبیریة والسلطات المسلمة التي حكمتھا. في ھذا السیاق، یشیر المصطلح ٕالى منطقة جنوب شبه الجزیرة األیبیریة التي تم غزوھا في القرن الثالث عشر تحت حكم الخالفة الموحدي.

  5. قرطبة

    مدینة ٔاندلسیة، عاصمة الخالفة األمویة بین )١٠٣١ - ٩٢٩(. منشأة سیاسیة ٕاسالمیة قویة لألندلس.

  6. فیلیب لوبیل

    فیلیب الرابع، ملك فرنسا، ١٣١٤-١٢٨٥. یمثل حكمه خطوة ھامة في تعزیز السلطة الملكیة في فرنسا. ٕان عداءه لبونیفاس الثامن، ؤاھمیة الدعایة المناھضة لفرنسا جعلت منه خطأ مؤسسا لعلمنة السلطة السیاسیة. دلیل على الأھمیة التي یمنحھا لتمثیل سلطتة، اعتمد في االحتفالات الرسمیة سلوكا غیر مبال الذي ٔاذھل معاصریه وجعله یستحق لقب "فلیب الوسیم".

  7. بورغون

    دوقیة بورغون، وتقع عاصمتھا بدیجون. الدوقات، ینحدرون من فرع ٔاصغر من فروع الكابیتیون، وھم ٔاكبر ٕاقطاعیي فرنسا فیلیب لوبیل. لایجب خلطھا بمقاطعة بوركون الشرقیة، والتي من بین ٔاھم مدنھا مدینتھا مدینة بیزانسون، التابعة لإلمبراطوریة الجرمانیة.

  8. فالندر

    مقاطعة فالندر. فضاء تابع لمملكة فرنسا، یعتمد ازدھارھا على التجارة مع ٕانكلترا. نتیجة لذلك، وضع الكونت حدا لعالقته بملك فرنسا سنة

    ١٢٩٧ لیتحالف مع ٕانكلترا. احتل فیلیب لوبیل المقاطعة عسكریا لیبسط سلطته علیھا، ولكنھ كان لزاما علیه ٔان یواجه تمرد بورجوازیین خلال

    )Matines de Bruges( سنة ١٣٠٢.في نفس السنة، تكبد الجیش الملكي ھزیمة نكراء ب"كورتري". على الرغم من فوز ملكي في ١٣٠٤،

    ظلت مشكلة الفالندر قائمة طوال نھایة عھد فیلیب لوبیل.

  9. ریتشارد دو كورنواي

    الابن األوسط لجان سان تیر، ٔاخو ملك ٕانجلترا ھانري الثالث، انتخب ملكا للرومان سنة ١٢٥٧ في نفس السنة التي انتخب فیھا ٔالفونسو العاشر، ٕالاأنه لم یتمكن من یصل ٕالى منصب اإلمبراطور. توفي سنة ١٢٧٠.

  10. البابا بونیفاس الثامن

    بابا من ١٢٩٥ الى ١٣٠٣، دافع بنشاط عن سلطة البابویة على الملكیات معتمدا على مذھب الثیوقراطیة البابویة الذي بحسبه یجب على الكنیسة ٔان تمتلك السلطة السیاسیة. یدافع بالخصوص على االحتكار البابویي للضرائب والعدالة الكنسیة، الأمر الذي قاده ٕالى التعارض مباشرة مع ادعاءات فیلیب لوبیل. استخدم ملك فرنسا اتھامات ٔاعداء البابا الشخصیین، فیما یتعلق بظروف انتخابه، الستدعائه للمحاكمة. ولقد نمى ھذا روایة تقول بأن البابا قد ُر َّ ج بعنف وصفع )وفقا لألسطورة(، وقد سمیّت ھذه الواقع فیما بعد تسمى فیما بعد ب"مؤامرة ٔانانیي". توفي فیما بعد بقلیل.

  11. ٔاعشار

    مساھمة استتنائیة لعشر من ٔاجل الحرب الصلیبیة، فرضھا البابا على المداخیل الكنسیة، لكن الملوك صادروھا.

  12. البابا كلیمنت الخامس

    بابا )١٣١٤-١٣٠٥(، خلف بونیفاس الثاني، وقد حاول الحفاظ على الذاكرة، في حین ٔان فیلیب لوبیل نھج مخططا یجعل فیه رجال الدین یدینونه. بابا التسویة، ذو تكوین ثقافي فرنسي. حاول ٔان ینقذ بدون جدوى فرسان المعبد. ٕان مفاوضاته المستمرة مع ملك فرنسا قادته لالستقرار بمدینة ٔافینیون سنة ١٣٠٩.

  13. الفرسان

    فرسان طائفة عسكریة تتأسست سنة ١١٢٩ بھدف حمایة الحجاج في الوالیات الالتینیة في شرق اإلمبراطوریة، وبعد ذلك ضمان حمایة ھذه

    األراضي. ٕان الممتلكات العقاریة التي حصلت علیھا في الغرب تسمح لھما بتمویل مھمتھا، وتصبح فاعال اقتصادیا رئیسیا، السیما في مملكة فرنسا حیث توجد قاعدتھا. ٕان وجودھا فقد تبریره مع سقوط سان جان داكر سنة ١٢٩١، ٓاخر معقل التیني في الشرق. ٕان سمعة تدھور األخالق في قلب الطائفة جعلت فیلیب لو بیل یبرمج ٔافول الفرسان في ٕاطار محاكمة كنسیة قادت عددا منھم، من بینھم سیّد الطائفة جاك موالي، ٕالى المحرقة )١٣١١-١٣٠٧(. على عكس ما جاءت به الأسطورة، فإن الربح المادي للمملكة ظل زھیدا، ألن ممتلكات المعبد منحت كلھا لطائفة عسكریة ٔاخرى "لي ھوسبیتالیي"(les Hospitaliers) .

  14. الكورتس

    جمعیة "ممثلة" للعرش القشتالي، تعادل دول مملكة فرنسا، ٔاو برلمان ٕانجلیزي.

  15. الفيرو ريال

    مجموعة من القوانین تم فرضھا ٔالفونسو العاشر انطالقا من ١٢٥٥ كمدونة قانونیة جدیدة على عدد من المدن.

  16. والسييت بارتيداس

    تصنیف عام لكل القوانین الموجودة )الرومانیة والكنسیة والفیودالیة( التي تم تألیفھا بین سنة ١٢٥٦ ) ابتداء من الترشیح اإلمبراطوري أللفونسو العاشر( وسنة ١٢٦٥. یشاع ٔان الملك قد ساھم في تدوینھ. لم یبدٔا العمل بھذا القانون ٕالاانطالقا من سنة ١٣٤٨.

  17. سانش

    الابن الأوسط لألفونسو العاشر. ٔاخوه األكبر فیرناند توفي سنة ١٢٧٥، لكنه ترك خلفه ولدین صغیري السن، ابني السیردا اللذین سیصبحان الوریثین المفترضین للتاج. ابتداء من سنة ١٢٧٥ خالف ٔالفونسو العاشر ٔاوامر المدونة القانونیة التي ساھم في وضعھا بتعیین سانش كوارث. في سنة ١٢٨١ اختلف الأب والابن فیما یخص اختیار التحالفات الدولیة. في سنة ١٢٨٢ ثارت القوى المختلفة المعارضة لألفونسو العاشر والمؤیدة للملكیة وجعلت سانش یصل ٕالى السلطة في شمال المملكة. فرغم الغضب الأبوي والمحاولة المتأخرة التي قام بھا ٔالفونسو العاشر لحرمان ابنه األوسط من الوراثة لصال طفلي السیردا، لكن ھذا األخیر ٔان یسترجع العرش عند وفاة والده سنة ١٢٨٤. حكم تحت اسم سانش الرابع ٕالى عایة

    ١٢٩٥ ونقل السلطة لابنه فردیناد الرابع.

السابقالسابقالتالي التالي 
استقبالاستقبالطبع طبع  غزلان بوري, أستاذ و باحثة في جامعة لو مان في فرنسا إسناد - غير تجاري - غير قابل للتغيير تم إنجازه بسيناري Scenari (نافذة جديدة)