السياسة والدين وبناء الدولة (القرن11 -16 / 19)

القائمقاميتان (1842-1860)

لم يدم التعاون بين الدروز وعمر باشا طويلا. اعتبروا أنفسهم مخدوعين، التفت الدروز في هذه الحالة نحو الموارنة. التزم الحزب الجنبلاطي[1] بإعادة فتح المجال لسلالة الشهابيين وبتقديم جزء من التعويضات المدفوعة من أجل أعمال الحرب لكنه لم يصمم على وضع هذه الوعود كتابة. ادّ الاعتقال الاحترازي لزعماء دروز من قبل عمر باشا الى انتفاضة. فرق أسعد باشا (1785-1847)[2] ، والي[3] بيروت المتظاهرين، وتمّ تعويض عمر باشا بمحمد باشا[4]. لكن القوى الاوروبية والباب باسطنبول اتفقت على نظام مزدوج يسمى القائمقامية [5]. هذا الحل الهجين، الذي ينسب أصله لمترنيخ Metternich[6] ، يبدو كحل وسط بين موقف انجلترا التي تدعم الدروز، وفرنسا "حامية" مسيحيي الشرق عبر ارتباطها بروما والباب الذي لم يتمكن من فرض الوصاية المباشرة.

يتكون الحل الأوسط من بلورة "أمّتان"، تستندان على إقليمين -غير متجانسين على المستوى العقائدي- وذلك من كلا جانبي طريق بيروت-دمشق. عُين القائمقاميان أو "حاكمان" في يناير\كانون الثاني 1843 : حيدر أبولمع (1787-1854)[7]، بالنسبة للمسيحيين وأحمد أرسلان (1798-1847)[8] بالنسبة للدروز. وُضع الاثنان تحت سلطة باشا صيدا. لم يحدد الباب بوضوح صلاحياتهما ولعب على التوترات الطائفية بدمج نواحي معظمها مسيحية في ولاية باشوية طرابلس ذات أغلبية سنية، أو وضعها مباشرة تحت سلطته. مطبقا مبدأ التقسيم لتعزيز السلطة، ودعمته لندن التي تعتزم على إجبار المسيحيين على التخلي عن أراضيهم من أجل الهجرة إلى الشمال. خروج المسيحيين هو أيضا منظور هيأه الدبلوماسيون الفرنسيون، لكن بهدف استيطان الأراضي حول الجزائر، المحتلة سنة 1830. وجب على باريس، بالمقابل، التخلي نهائيا عن مشروع إعادة إمارة شهاب، عندما اعتنق أمين[9]، ابن بشير الثاني الإسلام سنة 1845.

Carte du partage de la montagne © SA, ESO Le Mans, CNRS, 2012

حاول العثمانيون تقديم مشهد سلمي(انظر) للقوى الأوروبية. اندلعت مع ذلك حرب ثانية، والتي لوحظ فيها طابع عقائدي أكثر تفاقما من حرب 1841. امتدت بشكل أساسي في المناطق المختلطة، بين نهاية أبريل\نيسان وبداية يونيو\حزيران 1845. في أمد معارك صعبة وأعمال عنف مرتكبة ضد العزّل، سقط الجزء الشمالي من الجبل تحت سيطرة الدروز لكن، لأول مرة تعرضت ممتلكات ومواطنين فرنسيين للهجوم. وتحت ضغط القناصل الأوروبيين، اضطر وجيهي باشا[10]، والي صيدا الجديد المؤيد للدروز، وضع حد للمعارك. تم استدعاء وكلا[11]ء ليجتمعوا تحت سلطته : تمّ تحرير عقد لوقف الاعتداءات وإمضاءه، اشترط هذا العقد نسيان الماضي. بعث الباب شكيب أفندي[12]، شهرين لاحقين، طلب هذا الأخير من المواطنين الأوروبيين الانسحاب، ودعا أعيان الحزبين ليجتمعوا وأوقف الزعماء المسيحيين منهم والدروز. مدة قصيرة، ووجب عليه اطلاق سبيلهم، تحت ضغط روز Rose، وظل نزع السلاح غير مكتمل. تمكن من ناحية أخرى، من فرض "نظام" (انظر) على الفريقين.

كرّس تنظيم شكيب أفندي، الذي يحدد محتوى ازدواجية القائمقامية، "حكم ذاتي طائفي"، والحالة هذه التقسيم العقائدي على أساس إقليمي. يُعين والي صيدا أو يعزل القائمقام. هذا الأخير له الحق في كتيبات مؤقتة من أجل تحقيق النظام. يتكون المجلس الثاني المختلط من قائيمقام وقاض ومستشار ينحدر من عامة الشعب. يقبض هؤلاء أجورا شهرية ولهم مهمتين: مالية (تحصيل الضرائب) وقانونية. يجب عليهم أن يكونوا من الجبل ويقيمون فيه وينتمون لأحد الطوائف الخمسة المعترف بها (الموارنة، الدروز، روم كاثوليك، روم أورثوذوكس، وسنة). يمثل الشيعة مستشار بالمجلس، لكن القاضي[13] السني هو الذي يتكلم باسمهم. يعين شكيب أفندي المستشارين على مدى الحياة. يعين كل قائمقام وكلاء طائفته؛ يتكلف هؤلاء بجمع الضرائب على الأرض وتنفيذ الأحكام القضائية. زعزع هذا التنظيم النظام التقليدي، الذي يتعلق به الدروز أكثر، بحيث ينقل جانب من سلطة الأعيان نحو المستشارين : يقتصر دور المقاطعجين[14] للقيام بمهام تخص العدالة في البداية ثم المرور عبر الوكيل بالنسبة للقضايا التي تعنى بأشخاص طائفة أخرى. الاعتراف بخمسة وحتى ستة، لأن الشيعة لم يستفيدوا تماما من نفس القوانين كباقي الطوائف الأخرى، تعتبره القوى الأوروبية كفرصة سانحة من أجل تعزيز ممارساتها الزبونية.

  1. الجنبلاطون

    ٔاسرة ٔاعیان من ٔاصل كردي حاولت ٔان تجعل نفسھا مستقلة بكیلیس Killis وحلب. استقر بعض من ذریته بجبل لبنان في القرن السابع عشر، تبنوا

    الاعتقاد الدرزي وتدخلوا في صراعات السلطة التي ٔاعلنھا المعنیون. الشیخ علي )١٧٧٨-١٦٩٠( الأب الروحي والسیاسي، ثبّت سلطة العائلة واكتسب سمعة ٕاقلیمیة وشارك في صراع خالفات ٔاسرة شھاب. دعم في سنة ١٧٦٠، الأمیر الحاكم المنصور ضد منافسه ٔاحمد، ثم ٔانكره وشوه سمعته، ودفع الأمیر یوسف بن ملحم ٕالى السلطة. ساعد الأمیر یوسف على وقف زحف ظھیر العمر على جبل لبنان بالتواطؤ مع ٕاخوانه في الدین الشیعیین، ثم جلبه جزار باشا ٕالیه لیصبح معارضا للامیر. توفي الشیخ علي سنة ١٧٧٨، وعوضھ ابنه البشیر. ساعد الشیخ بشیر بشیر الثاني في الوصول ٕالى السلطة والحفاظ على السیطرة على شؤون الجبل ٕالى غایة سنة ١٨٢٣. في ھذه الأثناء، حاول الشیخ الإطاحة بالأمیر، ؤاعلن ٕاثرھا صراع عنیف بین الرجلین الذي انتھى بھزیمة وموت الشیخ بشیر في سنة ١٨٢٥. حافظ الجنبالطیون على نفوذھم خلال فترة الاضطرابات التي عقبت سقوط الإمارة في سنة ١٨٤٠. كسب الشیخ سعید ھیبة علیا بقائمقامیة ٔارسالن. تورط في ٔاحدات سنة ١٨٦٠، وتوفي بالسجن في ١٨٦١. نازع ابنه نسیب )١٨٥٥ و١٩٢٢( الأرسالنیین قائمقامیة الشوف. داع صیت ھیبة ھذا البیت في دولة لبنان مع السیدة ناظرة )١٨٩٠و ١٩٥١(،

    وكمال باي )١٩١٧ و ١٩٧٧( مؤسس الحزب االشتراكي التقدمي وابنه ولید باي.

  2. ٔاسعد باشا )١٨٤٧-١٧٨٥(

    والي صیدا بین سبتمبر\ايلول ١٨٤٢، ؤابریل ١٨٤٥، ساھم في تطبیق نظامالقائمقامية. غیر منحاز، فرض احترامه على السكان وعلى القناصل

    الأوروبیین.

  3. والي

    انظر الجزء األول، الفصل الثالث.

  4. محمد باشا

    والي صیدا، لمدة قصیرة جدا، خلال سنة ١٨٤٥.

  5. القائمقامية

    النظام الذي قسم الجبل ٕالى منطقتین ٔاو ٕاقلمین:

    ٔاحدھما مسيحي والأخر ٕاسالمي. تشمل كل قائمقامية مجلسا مختلطا یتكون من ممثلین لطوائف دینیة مختلفة على ٔاساس تناسبي.

  6. كلیمنس Klemens وینزل الأمیر مترنیخ )١٨٥٩-١٧٧٣(

    دبلوماسي ورجل دولة نمساوي، كاتولیكي. سفیر في باریس )١٨٠٦-١٨٠٩(، ثم وزیر الشؤون الخارجیة، ٔادخل في تحالف ضد فرنسا النابلیونیة. من ملھمي مؤتمر فیینا )١٨١٥-١٨١٤(، استعاد وجود النمسا في ٔالمانیا وٕایطالیا.

    قنصل ابتداء من ١٨٢١، ٔاطیح به عقب ثورة مارس ١٨٤٨.

  7. حيدر أبولمع (1787-1854)

    ٔاول قائمقام مسیحي للجزء الشمالي من جبل لبنان. یدیر حیدر ك ّل من المتن وكسروان، وھي مقاطعات تقلیدیة لعائلته. شارك في الثورة ضد محمد علي ١٨٤٠ نفى ٕالى السودان ٕالى غایة ١٨٤١. اعترض مناورات العثمانیین والدروز وحارب قطاع الطرق على طریق بیروت - دمشق.

  8. ٔاحمد ٔارسالن )١٨٤٧-١٧٩٨(

    ولد ببشامون Bchamoun وتتلمذ ب شویفات Chouayfat. ساند حزب الشیخ بشیر جنبالط سنة ١٨٢٥ ضد حزب الأمیر بشیر الثاني وفر ٕالى حوران. عاد ٕالى لبنان ودفع الضریبة بسبب معارضته للحاكم. لم یشعر بالارتیاح، ابتعد ٕالى الأناضول، ثم ٕالى عكا بجانب عبد الله باشا الذي ثبته في قریة بالقرب من صفد مع رسم شھري. عارض حملة ٕابراھیم باشا وحارب ضده بإیمیس Emese وبكونیه Koniah . عاد ٕالى جبل لبنان سنة ١٨٤٠ بعد ٕاخلاء الجیش المصري. ٔاصبح ٔاول قایمقام درزي للقسم الجنوبي من جبل لبنان سنة ١٨٤٣، بفضل اتفاق بین ٔاعیان الطائفة. لعب دور المصلح بینھم واستمر حتى ٔاقاله شكیب ٔافندي بسبب ٔاحداث ١٨٤٥. استقر ببیروت وتوفي بالكولیرا سنة ١٨٤٧..

  9. ٔامین شهاب

    ثالث ٔابناء بشیر الثاني، تقلّد عدة مھام مدنیة وعسكریة بجبل لبنان ثم غادر ٕالى المنفى بإسطنبول مع والده على الرغم من ٔان العثمانیین ٔاعلنوا سنة ١٨٤٤، ٔان ٔاي التماس ال یمكنھ ٔان یقدم لصالح الشھابیین. لھذا اعتنق االسالم.

  10. وجیھي باشا

    ُعین والي صیدا في ٔابریل ١٨٤٥، سمعته كمحافظ، سبقته قبل دخوله الخدمة. لم یقم بأي شيء لوقف الحرب الدرزیة-المارونیة التي اندلعت في مایو ١٨٤٥، مشكوك فیه بزرع الفتنة. انتقد قناصل القوى مقاومته للتغییر وتحیّزه اتجاه الدروز. ترك وظیفته في بدایة سنة ١٨٤٦.

  11. Wakil

    وكیل ومندوب یمثل جماعة، عموما قریة.

  12. شكیب ٔافندي

    مفوض الباب في الیونان ١٨٣٥-١٨٣٤، دبلوماسي، وقع اتفاقیة لندن في یولیو ١٨٤٠ باسم الحكومة العثمانیة. ٔاصبح وزیرا للشؤون الخارجیة وربط اسمه ب"ترتیبات" ٢٢ یونیو ١٨٤٥ التي وطدت نظام القایمقامیة المنظمة.

  13. القاضي

    القاضي ٔاو المأمور القضائي الذي یحكم بمحكمة مدینة ٔاو محكمة اسلامیة.

  14. المقاطعجین

    الوجیه الذي یدبر منطقة، ویجمع الضرائب، ویدیر العدالة في المقام الأول ویعبأ الأشخاص في حالة نداء ٔاعلنه الأمیر.

السابقالسابقالتالي التالي 
استقبالاستقبالطبع طبع  السا غصّوب،محاضرة باحثة في جامعة الروح القدس في كسليك (لبنان) إسناد - غير تجاري - غير قابل للتغيير تم إنجازه بسيناري Scenari (نافذة جديدة)