الزاوية الدلائية والسملالية : ميولات استقلالية بتافيلالت
الرهانات الاقتصادية هي الأخرى حاسمة في هذا الصراع من أجل السلطة، في غياب سلطة مركزية التي تحدّ سلطة الحاكم حول مراكش. هيمنت الزاوية الدلائية على جميع الأطلس المتوسط ومدينة فاس، وسعت إلى السيطرة هذه المنطقة كقاعدة صحراوية، وذلك لاستخدام العائدات من أجل الاستيلاء على باقي المغرب والسيطرة هكذا على السواحل مما يسمح لها بالدخول في علاقة مع الأمم الأوروبية. مارسوا تأثيرا على برابرة الأطلس الكبير الشرقي. بيد أن الدلائيين ليسوا الوحيدين الذين لهم الرغبة في احتكار تجارة هذه المنطقة. إن زاوية إليغ أو تزروالت، المثبتة في سوس والتي تمارس التجارة مع الأوروبيين (بصفة خاصة مع الهولنديين والإنجليز)، أرادت الاستيلاء على المحور الرابط بين توات المزدهرة بتافيلالت، في حين أُهملت منطقة درعة شيئا فشيئا. مارس زعماء الدين المحليون نفوذا مفيدا على المستوى التجاري، ويظهر تجديد هذا المحور أصل الدينامية النسبية على الجانب الجنوبب للأطلس. حفّز هذا الازدهار أبا حسون[1]، وهو من الزاوية المنافسة السملالية، على الالتفات نحو الشرق وعلى التدخل في شؤون تافيلالت حيت تتّواجه مجموعتين.
استقر الشرفاء العلويون لوادي إفلي في منطقة تافيلات بصفة ثابتة، فقد سيطروا على تجارة القوافل لمحور توات-تافيلالت. غير أنهم لم يتمكنوا من الحفاظ على علاقات مستمرة مع شمال الأطلس ومدينة فاس، التي تمسك بها الزاوية الدلائية، كما أنهم في حالة تنافس مع قصر تابوعصامت، محطة هامة في ما مضى لقوافل درعة في اتجاه بلاد السودان. إن إعلان مولاي علي الشريف(1589-1659)[2] كأمير كان سبب حرب بين قصور تافيلالت : استعانت تابوعصمت بالدلائيين، وكرد فعل على ذلك، تحالف العلويون مع أبو حسون السملالي. عند وصوله إلى تافيلالت من أجل إغاثة حلفائه، استقر أبو حسون في الواحة ورفض مغادرتها وترك فيها ممثله الذي بنى فيها قصبة[3] لتوطيد سلطته بالمنطقة. قرّر أبو حسون التفاوض مع تابوعصمات حيث تقيم جماعة يهودية قوية تجاريا، وهو ما استفاد منه كذلك حليفه مولاي علي الشريف. أحس الدلائيون أن مصالحهم في خطر في المنطقة فقرروا في هذه الحالة الشروع في الهجوم. استفاد محمد الحاج الدلائي، من غياب أبي حسون، ليفرض نفسه عسكريا ضد قصر السوق، في سنة 1634 (1044هـ). أجبر مولاي علي، عبر معاهدة، على منحه هذه نقطة المراقبة تلك والتي تعد ممرا نحو الأطلس، وكذلك مراكز لتابوعصمات وإغولمين، في مقابل سحب القوات المسلحة في الأطلس المتوسط. حسب أعمال العربي مزين، الفائدة الوحيدة من استغلال تجارة مزدهرة وحدها تحفز مشاريع محمد الحاج وليس الطموح لهيمنة عسكرية، على عكس المشاريع السملالية.
وقف أبو حسون ضد إبعاده وتهميشه. غادر سوس مرة أخرى مع قواته. هزم مولاي علي الشريف، في سنة 1638، ووضعه في السجن، وسمح لسكان تابوعصمات بالإقامة ثانية في قصرهم الذي كانوا قد طردوا منه من قبل مولاي امحمد، أحد شرفاء العلويين. التجأ هذا الأخير إلى الصحراء، لكن بعد عامين، دعمته قبائل عربية رحل، وعاد لمواجهة أبي حسون. وطّد مولاي محمد كذلك سلطته بتوات، حيث يحصّل قواده[4] الضرائب متحدّيا بذلك محمد الحاج الدلائي (انظر الرابط). يتكون مشروعه من السيطرة على مجموع الحركة التجارية، وللقيام بهذا، وجب عليه فرض نفسه ليس فقط بتافيلالت وكذلك في شمال المغرب الذي يهيّمن عليه الدلائيين الذي يسعون بالضبط لنفس الطموحات. جرت المواجهة الرئيسية خلال "معركة الكارة"، في سنة 1646 (1056ه). عاد النصر للدلائيين الذي أقاموا معاهدة جديدة مع الشرفاء، محدّدين مناطق النفوذ الخاصة. أصبح جبل العياشي الخط الفاصل بينهم. احتفظ محمد الحاج، مع ذلك، لنفسه بحقّ السيطرة على خمس أماكن قوية بالإضافة إلى الشيوخ الذين على رأسهما : السوق وأيت عثمان وأكولميم وأسرير وأولاد عيسى. لكن العلويون ألغوا المعاهدة، بمجرد مغادرة قوات الدلائيين للمنطقة : تعرّض أولاد عيسى للهجوم، وانتهك مولاي محمد شروطا أخرى.
إذا كانت الهيبة الدينية لسلفهم الشريف قادرة على الأقل أن تضاهي بركة[5] أبناء عمومتهم السعديين، فإنها ضمنت للعلويين حظا يُذكر لفرض أنفسهم، إنهم تصرفوا كقادة جيوش أكثر منهم كمرابطين. إن محاولاتهم الأولى متواضعة، فقد فشلوا على المستوى التكتيكي والعسكري في وجه قوات الدلائيين. وضع مولاي رشيد[6] أخو مولاي امحمد حدا لسلطة هذا الأخير في منتصف سنوات 1660، وأصبح المؤسس الحقيقي للسلالة العلوية متمكنا من عبور حاجز الأطلس والاستيلاء على مدينة فاس، ثم شمال المغرب في سنة 1666. استسلمت الزاوية الدلائية تحت هذه الضربات في نهاية القرن السابع عشر، ثم جاء دور زاوية تازروالت. حسب العروي، لقد نتجت هذه النجاحات خاصة عن انهيار المتنافسين الداخلي. إن توطيد سلطة العلويين يعكس هيمنتهم على الجنوب تضمن لسكانها المحيطيين غزو المغرب وتنظيمه. حينها أصبح باستطاعة "الشريفية" أن تنتشر بطريقة متميزة عن الزوايا الصوفية. انطلاقا من تلك الفترة، إن الشريفية والرغبة في الاستقلال مرتبطان ارتباطا قويا في ذهن المغاربة في مواجهة القوى الأجنبية، وبالأخص المسيحية بحيث لم تعد للإمبراطورية العثمانية الإمكانيات لمباشرة غزواتها في المنطقة،.