سياسة التحالفات
وضع الامير، في مجال العلاقات الخارجية، إجراءات تظهر رغبته في الاستقلال إزاء الباب العالي. العملية مضبوطة. عين فخر الدين لتمثيله مندوبين : سني لدى الباب العالي، وشيعي لدى شاه الفرس وأسقف ماروني مكلف بالشؤون الأوروبية.
هشة هي الضمانات الاروبية. أبرم دوقي توسكانا الأكبر، فرديناند الاول[1]، اتفاق عسكري وتجاري مع باشا حلب، علي جنبلا[2]ط الذي توقف عن أداء الإتاوة للسلطان واستولى على طرابلس ودمشق في سنة 1606. لم يقدم الدوقي الأكبر، مع ذلك، أدنى مساعدة للباشا أثناء هجوم العثمانيين عليه في نفس السنة. كانت نسبة التفاوض ضئيلة جدا عند فخر الدين : بموجبه حليف الباشا، كان عليه أن يقنع الباب بأن المساعدات العسكرية الممنوحة لعلي جنبلاط لغزو دمشق وطرابلس ليس لها أهداف مضادة للعثمانيين. وللقيام بذلك، بعث ابنه علي إلى القسطنطينية محملا بعدد من الهدايا، في نفس الوقت كان يعقد اتفاقا مع مبعوث فرديناند الأول بصيدا. سمح الأمير، بموجب هذا الاتفاق، بالوصول إلى منافذ بعض الموانئ (عكا وصور وبيروت)، لفلورنسا بالإضافة لدول الاروبية أخرى، مخالفا هكذا لأوامر الباب لعالي: وحدها سفن المملكة الفرنسية التي كان لها هذا الحق منذ قرن.
سمح له أسطول فرديناند الأول بالدفاع عن سواحل التوسكانا وحماية تجارته البحرية، ولكن من دون أن يخول له الحق أن يضع ثقله في نزاع ضد الامبراطورية العثمانية. يبدو أن الأبعاد الاقتصادية والثقافية للعلاقة، بالنسبة لفخر الدين، هي التي لها الاسبقية. يرفض من جهة أخرى تعهدات قوتين أوروبيتين : الأولى فرنسية، والثانية إسبانية، والتي كانت تعد بتحصين مرفأ صور. يتفق الإخباريان على التأكيد من هذه العلاقات ليست هي التي تفسر مواجهة الأمير مع السلطان خلال حملة 1613. قلل أحمد الخالدي الصفدي أيضا الحدث عند حديثه عن "عدوان" وليس عن حملة حقيقية، مهملا كل إشارة إلى تمرد الدروز الذي جرى بقيادة الأمير. لا يعطي تفسير أحداث 1633 أي مجال لتعليقات صريحة. أعطى السلطان مراد الرابع[3] أمرا لباشا دمشق بالتحرك ضد الأمير. تم القبض على هذا الأخير ثم أعدم بالقسطنطينية، في الثالث عشر من أبريل سنة 1635، مع ثلاثة من أولاده.
قدم كاتِبا سيرة فخر الدين هذا الأخير كبطل. لأسباب مختلفة كل منهما قلل المواجهة التي جمعت بين الأمير والسلطان. يضع أحمد الخالدي الصفدي البعد الديني السني في المقدمة الذي يضمر الاحترام والولاء تجاه السلطان والذي هو في نفس الوقت خليفة. في حين أكد إسطفان الدويهي على سمة حاكم متسامح تجاه المسيحيين وغياب الرغبة في التحرر تجاه السلطان، لكي يحافظ على وجود إمارة معن التي ضعفت في نهاية القرن السابع عشر. يلاحظ حضور للتبريرات الدينية والسياسية لذا الاثنين. وضعت خانات أخرى للقراءة في فترة تأسيس الدولة اللبنانية، في شتنبر 1920: كان فخر الدين، بالنسبة للمسحيين رمز لمؤسس لبنان المعاصر؛ أما بالنسبة للأغلبية المسلمة فهو البطل العربي الذي حارب الاستبداد التركي. إن المصادر الدرزية على وجه التحديد، لا تزال غير معروفة. إن عملية استغلال هذه الوثائق، ستسمح بقياس دور التقية[4] في ممارسة السلطة، على سبيل المثال.