طرد المسلمين في مراحل متعددة
بعد مرور أقل من عشرسنوات عن مرسوم الحمراء وبعد هزيمة) Albacain (1501 التي عرفها الموريسكيون المتمردون ضد قرارت المطران فرانسيسكوخيمينيزدي سيسنيروس[1] )1436-1517).
أصدر الملوك الكاثوليكيون مرسوما لطرد المسلمين الذين تزيد أعمارهم عن 14 سنة أولا من غرناطة
ثم في 1502 من جميع الأراضي الخاضعة لتاج قشتالة.
كان يهدف المرسوم إلى طرد المُدَجّنُون [2]الذين كانوا يعيشون في سلام منذ عدة قرون تحت السيطرة المسيحية.
في عام 1526 صدر مرسوم طرد آخر يجبر مسلمي أراغون على اعتناق المسيحية فأطلق عليهم و ذريتهم اسم الموريسكيين ، صممت أقلية منهم على المنفى في شمال أفريقيا.
و بالتالي لم يسمح بأي مسلم غير مهتد إلى المسيحية في الدول الإسبانية باستثناء العبيد الذين لم يكونوا معنيين بأوامر الطرد .
إن تولي فيليب الثاني[3] العرش (1527-1598) زعزع أكثر فأكثر وضع الموريسكيين لكونه مصمما على تطبيق الإصلاح الكاثوليكي في ولايته وعلى محاربة "هرطقة " كلفانيي [4] الأراضي المنخفضة بهولندا أو موريسكيي غرناطة و فالنسيا الذين لا يعتبرون مهتدين حقيقة إلى المسيحية .
و لتحقيق هدفه هذا، عرض برنامجا للطرد و إعادة استرداد الأراضي ابتداءا من عام 1559.
وقد تشكل رد الفعل الناتج عن هذه السياسة في ثورة)1527-1598) التي أشعلها انقلاب في حي Albaicin بغرناطة .
و لم يكن ليتزعم هذه الثورة إلا واحد من سلالة الأمويين، فرناندو دي فالور[5] الذي اتخذ اسم ابن أمية . بلغت حركته واد ليكرين بأسره كما امتدت إلى جبال ألبوجرات
و لكن دون خوان النمسي[6] سحقه فتفرق الموريسكيون في جميع أنحاء إسبانيا .
كان هذا الحدث بالنسبة للكاثوليكيين دليلا على عدم وجود الأمن الجماعي فكان يشكل الموريسكيون مصدر خطر محتمل خاصة و أنهم كانوا متهمين بالتواطؤ مع أقدم أعداء الملوك الكاثوليك أي الأتراك و قراصنة البلدان المغاربية البربر .
فتزايدت الشكوك حيال الموريسكيين خلال الثلث الأخير من القرن السادس عشر و إن عمل محاكم التفتيش[7] أو بشكل عام فشل عملية التبشير، سواء ثبت أم لا ، يرجع حسب بعض رجال الدين الإسبانيين إلى منهجية خاطئة من جهة و من جهة أخرى إلى شروط تنفيذ الاتفاقيات المتفاوض عليها لتنازل الملك المهزومأبو عبد الله[8] عن مدينة غرناطة .
و كانت تنص هذه الاتفاقيات على السماح للمسلمين بالاحتفاظ بديانتهم كما كان بعض رجال الكنيسة يدعون إلى نوع من التسامح الديني الهادف في بعض الأحيان إلى التنصير، و من مؤيدي هذه الدعوة بالتسامح الديني نبلاء أراغون و فالنسيا الذين رأوا في ذلك فرصة للاستفادة من يد عاملة غير مكلفة لاستغلال أراضيهم ؛ و على عكس ذلك فإن الفلاحين الكاثوليكيين البسطاء كانوا ينظرون لهؤلاء المسلمين و الموريسكيين كمنافسين لهم إلا أن الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية تدهورت لعدة أسباب أخرى : تكلفة الحرب التي شنها فيليب الثاني و انخفاض دخل مستوطنات العالم الجديد و ارتفاع الضرائب و انتشار المجاعة و الأوبئة مما أدى إلى تراجع ديمغرافي كبير)بنسبة % 15 من الساكنة القشتالية( .
و لم تكن جهود الدوق الكبير دي ليرما[9] كافية لتأسيس نظام أقوى فكان لابد للمجتمع الذي زاد وضعه سوءا أن يجد متنفسا له بتعيين كبش فداء.
و قد درس المؤرخ فيرناند بروديل حالة "المسيحيين القدامى" النفسية التي لم يزعزعها الحقد العنصري بل " الحقد الحضاري و التعصب الديني " عندما علموا أن الموريسكيين
" متجذرين في قلب إسبانية " بأعداد متزايدة كما زعم بعض المسيحيون القدامى أن الموريسكيين يتجمعون حول القلاع أو القصور. تم إذا التنازل عن مبدأ تعايش الديانات التوحيدية التلاث الذي تمثل تارة في اتفاق و تارة أخرى في لجوء إلى العنف و الذي ساد لمدة تسعة قرون تقريبا في الأندلس ( بين بداية القرن الثامن و أواخر القرن السادس عشر ). و في صيف عام 1580 خلقت ضجة حول مؤامرة كبيرة بدعم من المغرب، و تبين فيما بعد أن الإشاعة التي كانت وراء هذه الضجة كانت حقيقية جزئيا بحيث أن السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي[10] كان يعد لمؤسسة عسكرية إلا أنه كان يهدف السودان لا إسبانيا مباشرة؛ و قد برر المنصور بعثته هذه مشيرا إلى ضرورة الاستفادة من الثروات السودانية لاسترداد الأندلس، و للوصول إلى مبتغاه استفاد من دعم العلماء المستندين إلى الشيخ أحمد القرافي[11]،عالم مالكي كبير من مصر أصدر قبل ثلاتة قرون فتوى[12] تسمح بالاستيلاء على " أرض مسلمة " بغرض تعزيز قوتها العسكرية ضد الهدف النهائي : إسبانيا المسيحية .
و تشير المصادر المغربية أن المنصور لم تكن له في الواقع الإرادة و لا القدرة العسكرية الكافية لتنفيذ هذا المشروع ذلك أن هدفه الأساسي كان يقتصر على كسر الحصار المفروض من قبل الإسبانيين المسيحيين شمالا و من قبل العثمانيين شرقا لضمان انطلاقة جديدة للمغرب.
في صيف 1588 أدت الاضطرابات في أراغون إلى اجتماع مجلس الأمن الذي أشار إلى وجود خطر داخلي لا بد من مكافحته في أسرع وقت لتجنب اندلاع ثورة أخرى كثورة سنة 1568 .
و في عام 1600 تم تقديم تقرير للملك فيليب الثالث1 يكشف عن المفاوضات الجارية بين فرنسا و الموريسكين المنعوتين " بأعداء الداخل ".
و في بداية السنة التالية تلقى مجلس الدولة رسالة من أسير إسباني محتجز بتطوان يتوسل فيها إلى فيليب الثالث[13] راجيا منه التدخل لطرد الموريسكيين من إسبانيا ؛ و قد أدلى السجين تلومي دي يانس لركن
Touloumi dy Yanous Alrkoun بمعلومات بمثابة تحذير فجاء في رسالته : " إن الكثير من موريسكيي إسبانيا في صدد إعداد ثورة بدعم من ملك المغرب بالإضافة إلى أن موريسكي من طليطلة في زيارة إلى السلطان التركي حاول قنع هذا الأخير بإرسال بعثة عسكرية إلى إسبانيا لكونها تضم أزيد من 500000 مسلم سيحرص على نجاحها " و كان رد مجلس الدولة واضحا " لا بد من وجود حل لمسألة الموريسكيين لأنهم أصبحوا يشكلون خطرا كبيرا على أمن الولايات الإسبانية و قد يستغلوا أدنى فرصة للتمرد، فهم مسلمون حقيقيون"؛ و هناك تقارير أخرى تدعم هذا التصور.
وقعت إسبانيا سنة 1604 هدنة مع إنجلترا و في عام 1609 مع المقاطعات المنخفضة فصارت الظروف بعد ذلك مهيأة لاتخاذ إجراء جذري ضد الموريسكيين .
و قد تم اتخاذ قرار سياسي بعد تقديم الأب سوبرانو لمذكرة تتمحور حول ثلاث أفكار رئيسية أولها أن الطرد عمل إلهي لكونه يقوم على توصيات "سموية " و ثانيها أن الموريسكيين مبهورين "بشريعتهم "و مخلصين بشدة لدينهم الإسلام و ثالثها أن قرار طرد الموريسكيين يجب أن يكون قاطعا.
و في المرسوم الذي صدر عنه بتاريخ 22 سبتمبر 1609 عرض فيليب الثالث الأسباب التي أيدت اتخاذ قراره و هي كالتالي :
محاولة فاشلة لتنصير موريسكيي شبه الجزيرة و عدم توصل الكهنة و العلماء الكاثوليكيين إلى حل فعال لهذه المسألة وفقا للإرادة الإلهية و اكتشاف طبيعة الموريسكيين المخادعة عبر ترقب معلومات تخصهم و ضرورة الحفاظ على الأمن في شيبه الجزيرة العربية بدءا من مملكة إسبانيا.
و لهذه الأسباب سقط حكمه النهائي الذي لا رجعة فيه: " قررت أن أطرد جميع الموريسكيين من هذه المملكة و نفيهم في بلاد البرابرة " .
و أشار بدوره العالم المسلم الحجري أبو القاسم[14]، معاصر هذه الحقائق إلى مقاومة الموريسكيين لمحاولات التبشير و الاستيعاب الثقافي التي قام بها رجال الكنيسة و الملوك الكاثوليكيين ؛ و لكنه يعتقد أن الأسباب الحقيقية وراء الطرد ذات طبيعة ديمغرافية ذلك أن المسيحيين كانوا في خشية من تزايد مفزع لعدد الموريسكيين لكونهم لا يقاتلون بسبب منعهم من حمل السلاح و كذلك لكونهم أحرارا في إنشاء عائلات بعيدا عن العزوبية المفروضة عند ولوج الإكليروس إذ أن الموريسكيين غير مكثرتين في الواقع بالالتزام بالمسيحية .