مقدمة
إن أصول تيارات الهجرة الأربعة التي تمت دراستها في الفضاء الأوروبي المتوسطي متنوعة نظرا لوزن
العناصر التي تدخل في عين الاعتبار . و رغم كون العامل الديني قاطعا لاسيما في الحالات الإسبانية و الفرنسية فإنه ليس كافيا.
نجد في تصورات وحدة "الشعب المسيحي"و وحدة "الأمة الإسلامية " أشكالا
من الانتماء التي تحشد شعوبا بأكملها و لكن رغم ذلك فإنها ليست دائما وفي كل مكان عملية ، خاصة أنها تتنافس مع غيرها من أشكال التضامن. و لذلك فلا بد من القطع مع التاريخ الطائفي الذي يهمل، في معالجته أحداث امتدت لأكثر من أربع قرون، الاختلافات بين الممالك المسيحية
التي واجهت ضغوط الإمبراطورية العثمانية، و عزم هذه الاخيرة على أن تخضع لسلطتها المجتمعات ذي أغلبية مسلمة التي
قاتلت جيوشها بدرجات متفاوتة من القوة.
و تبقى الحقيقة أن حتى بداية العصور الحديثة، كان يشكل الدين الرابط الاهم الذي يجمع، أكثر من الجنسية، أفرادا يرون أنفسهم كشعب.
في عقلية ذلك الوقت كان شعار الوحدة المذهبية يفرض نفسه بنفس قوة أولئك الذين يتحدثون باسم الدين الذي في رأيهم تتجلى وظيفته في ربط علاقة ما بين الإنسان و الحقيقة الوحيدة المجهورة و و لهذا السبب كانوا يرفضون التفاوض :
فعندما تكون الحقيقة مسلمة على أنها مطلقة، من الواضح أنها تصبح غير قابلة للتفاوض .
ومن هنا فإن هذا الاعتبار يميز جذريا مابين عقلية النظام القديم و التغيرات التي طرأت خلال القرنين السابقين:
مبدئيا يسمح لرئيس الجمهورية الفرنسية أن يكون معتنقا لأي ديانة كانت شريطة أن يكون فرنسي الجنسية .
و رغم ذلك فإن ملاحظة كهذه ليست صالحة عالميا.
بعد تحديد الإطار الإشكالي، الذي يقدم تعليلا متزنا لعبارة "الهجرات الدينية "،فالسؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بتقدير عدد الأقليات المعنية و قد عالجت المصادر هذه النقطة بشكل حساس: يمكن للكاتب الذي يتطرق لأقلية ما إما أن يضخم عددها مثل سان سيمون لإبراز خطر محتمل أو على عكس ذلك، في حال العثمانيين ، التقليل من عدد المهاجرين لإظهار قوة الأغلبية . كم إذا ؟
200000 يهودي أو ربما الضعف من المسلمين أو 150 إلى 200000 بروتستانتي فرنسي أو عشرات الآلاف من الكاثوليكيين الايرلنديين
أو ما يصل إلى 100000 شوام معظمهم ملكيون أو مارونيون.
و في نهاية الأمر فإن هذه الأعداد لا تدل على الشيء الكثير أولا لأنه ينبغي ربط القيمة المطلقة بأهمية السكان
الأصليين و ثانيا لأن شروط الرحيل تعرف تغيرات منفردة و لكن يجدر القول على أنه في جميع الأحوال تكون النتائج الاقتصادية و الثقافية مهمة جدا .