السياسة والدين وبناء الدولة (القرن11 -16 / 19)

فرنسا: مرسوم التهدئة

إن الوضع في فرنسا مختلف. فالمملكة أكثر مركزية من أي مملكة أوروبية أخرى، وربما أكثر وعيا بوحدتها مما هي عليه الإمبراطورية الجرمانية. حصل الملك فرنسوا[1] الأول، بموجب معاهدة بولونيا البابوية[2] سنة 1516، على وسائل قوية للضغط على الكنيسة. لديه اليد العليا على 110 أسقف و4000 دير. كل حَبريّات المملكة بين يديه. وضع على رأسها الأشخاص الذين يقدر صفاتهم والذين يعزم على مكافأة خدماتهم. إنه إذاً سيد البنيات الكنسية بدون منازع، كما هو الشأن في بنيات المنظمة المدنية. تخدم الله وتخدم الملك، هذه القناعة تمّ تفعيلها في صيغة أصبحت عامة ووزعت على نطاق واسع:" عقيدة، قانون، ملك".

Carte du Royaume de France © SA, ESO Le Mans, CNRS, 2012
François Ier, roi de France (1515-1547) Vers 1540. Clouet Jean d'après) © RMN-GP (Domaine de Chantilly) / René-Gbriel Ojédaمعلوماتمعلومات[3]

منذ سنوات 1525، انتشر الإصلاح القادم أولا من ألمانيا، ثم تحت تأثير جون كالفين (1509-1564)[4] (انظر الرابط) ، لاجئ بجنيف ومنظم، انطلاقا من هذه المدينة، للإصلاح في المملكة الفرنسية. بعد بضع سنوات من الشك، جربت السلطة سياسة القمع بالقوة. يعود هذا المنعطف إلى تاريخ 1543. خلّف القمع "شهداء "، كما عدد "أتباع العقيدة الجديدة" نموا مستمرا. وصل عددهم الذروة في حوالي سنة 1559، حيث تشير التقديرات أن الإصلاح ضمّ ما يقارب مليوني شخصا، أي ما يعادل حوالي 10 بالمائة من السكان. في نفس السنة، توفي الملك هنري الثاني(1519-1559)[5] بالصدفة في إحدى المباريات، وترك أربعة أولاد، أكبرهم فرنسوا الثاني، الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، كان تحت وصاية والدته كاترين دو ميديسيس (1519-1589)[6]، التي لم تتأخر في تولي السلطة. بعدما عاينت فشل تدابير القوة، ثبتت نفسها بهدف الحفاظ على التوازن بين مختلف الأطراف، وذلك لإنقاذ مملكة أبنائها فقط. حاولت في البداية اللجوء إلى التوفيق، كما حصل في ألمانيا. ساعدها في ذلك حزب المعتدلين، الذي ينعت أعضاءه ب" Moyenneurs" أي "الوسطاء"، وفقا لتعبير كالفين، الذي أظهر ريبته اتجاههم. نُظم مجلس وطني، سمي "المؤتمر" مراعاةً لروما. اصطدم "الوسطاء" moyenneurs بمتطرفين : المتطرفين الكالفينيين ومتطرفي الغالبية الكاثوليكية. فشل المؤتمر أدى، كما هو الحال في ألمانيا، إلى الحل العسكري.

Le Colloque, tenu à Poissy le 9 septembre 1561. Perrissin Jean Jacques ; Tortorel Jacques © BnFمعلوماتمعلومات[7]

اجتاحت فرنسا، منذ ذلك الحين، ثمانية حروب متتالية (انظر الرابط)، خلال أكثر من ثلاثين سنة. دون أن يتمكن أي من الطرفين من فوز حقيقي. على عكس ما حدت في ألمانيا، لم يتواجه خلال هذه الحروب الحكام الكاثوليك والحكام البرتستانت، لكنها حروب أهلية حقيقية، فلقد اجتاح الشرخ الديني كل الأوساط الاجتماعية. تبيّن أنها غير مجدية : تعاقبت فترات العنف، ثم فترات الهدنة، في غالب الأحيان عن طريق استنفاذ عام للمحاربين. يتمّ تقريرها بمراسيم "سلام"، زائلة. إنها تدمر أسس الحياة الاجتماعية، وترمي سكان نفس المدينة، وأفراد نفس العائلة، بعضهم ضد البعض. ناهيك عن آثارها الإنسانية والاقتصادية، كما أنها تخرب المشاعر الدينية تماما، وتهدد بتغلب الإلحاد وانتشاره، حسب التخوف الذي عبر عنه اللاهوتي البروتستانتي ثيودور دو بيزThéodore de Bèze. علاوة على ذلك، فإنها تقوض سلطة الدولة. على سبيل المثال، أصبح تطبيق العدالة شبه مستحيل. لم يتمكن أحد من الأحزاب الثلاثة المعنية من الانتصار، لا حزب الكاثوليك المتطرفين، ولا حزب البرتستانت، ولا حزب الكاثوليك المعتدلين ما يسمى ب"السياسيين". يعود فرض حل للمشكل الذي طرحه الإصلاح إلى هنري الرابع (1553-1610)[8]، الذي وقع في الخفاء، في شهر أبريل 1598، مرسوم نانت (انظر الرابط)، الذي وضع حدا لحروب الدين في مملكة فرنسا. ما هي بإيجاز خلاصات، وبنود هذا المرسوم؟ أصبح البروتستانت يعتبرون ك"جسد" في الدولة التي تحتوي على العديد من (النبلاء، الإكليروس، ممثلي الأقاليم، الهيئات، إلخ...). استفادوا على هذا النحو، تحت سلطة الملك ووفقا لرضاه :

• من مساواة مدنية مع الكاثوليك : يمكنهم البيع، الشراء، الزواج، الاختبار، دفع الضرائب.

• من مساواة في الشأن التربوي والمساعدة العامة، والوصول إلى جميع المراتب.

• من حرية ضمير شاملة (على الرغم من أن العبارة لم تستخدم).

• من حرية العبادة، محدودة لكن حقيقية.

• من قدرة المقاومة العسكرية التي يمنحها توفير أماكن آمنة.

السلطة الملكية في فرنسا، مثل السلطة الإمبراطورية في هابسبورغ، اضطرت إلى قبول ثنائية طائفية، لأنها لم تستطيع القضاء على البروتستانت. ويعتبر مرسوم نانت، مثل سلام أوغسبورغ، شر لا بد منه. الدين البروتستانتي أصبح معترفا به كحقيقة، هو نتيجة لتصدع تجربته، على حد قول المتبارزين، تبيّن أن "الله وحده باستطاعته علاجه". المكانة الممنوحة للبروتستانتية قائمة بذاتها طالما ظل أعضاؤها هادئين، ولكنها في الأحوال ليست قيمة إيجابية. الحل الفرنسي مثل الحل الإمبراطوري، حل سياسي. فهو مع ذلك يختلف عن حل الإمبراطورية : بدلا من تجاور دول مذاهب مختلفة ولكن بأرثودكسية ثابتة داخل أراضيها، فقد فرض ملك فرنسا داخل مملكته ما سمي لاحقا ب"التعايش في التعصب". ينظم هذا التعايش حثى في التفاصيل الصغيرة ببنود عديدة دقيقة في غالب الأحيان.

  1. فرنسوا الاول

    ملك فرنسا من ١٥١٥ ٕالى ١٥٤٧، صنف الأمیر الكامل في عصر النھضة، محارب، لكنه ٔایضا نصیر لآلداب، قاد كفاحا طویال ضد شارلكان، حیث تمكن من احتواء طموح ھذا الأخیر الذي كان یرغب في ٕاقامة ٕامبراطوریة كونیة، وقد وصل به ذلك ٕالى التحالف مع العثمانیین للوصول ٕالى مراده. لقد وضع مركزیة الملكیة الفرنسیة، وقمع تجلیات البروتستانتیة الأولى.

  2. معاھدة بولونیا البابویة

    معاھدة بین الملك والبابا. ُعقدت معاھدة بولونیا في ١٥١٦ بین فرنسوا الأول والبابا لیون العاشر، ٔاعطى لملك فرنسا سلطة على كنیسة مملكته لا یملكھا ٔاي حاكم ٓاخر.

  3. François Ier, roi de France (1515-1547). Vers 1540. Clouet Jean (1475/1485-1540) (d'après). Localisation : Chantilly, musée Condé © RMN-GP (Domaine de Chantilly) / René-Gbriel Ojéda.

  4. وجون كالفن

    لاھوتي ورجل كنیسة فرنسي، نشط بصورة رئیسیة بجنیف. ولد بنوایون Noyon، درس الفنون والقانون بباریس ٔاورلیون وبورج. اعتنق الإصالح في سنة ١٥٣٣ وحرر كتابات لاھوتیة. غادر فرنسا ٕالى بازل حیث ٔانشئت لأول مرة في سنة ١٥٣٨، مؤسسات الدین المسیحي. ٔاقام كالفن بجنیف برفقة فارل، من سنة ١٥٣٦ ٕالى ١٥٣٨، وحاول ھناك فرض ٕاعادة تنظیم كنسي وفقا لمبادٔي الإصالح. استقر بستراسبورغ، في سنة ١٥٣٨ ، بعدما تم طرده من جنیف. استدعي ثانیة ٕالى جنیف في سنة ١٥٤١، استقر ھناك نھائیا ٕالى غایة وفاته في ١٥٦٤.

  5. ھنري الثاني)١٥٥٩-١٥١٩(

    ابن وخلف فرنسوا الأول، معاد جدا للبروتستانتیة، تابع كفاح والده ضد ھابسبورغ. توفي عن طریق الصدفة سنة ١٥٥٩، مغرقا المملكة الفرنسیة في ٔازمة غیر مسبوقة، ألنه لم یترك سوى ورثة صغار السن ودولة مقسمة بالقضایا الدینیة.

  6. كاترین دو میدیسیس )١٥٨٩-١٥١٩(

    زوجة ھنري الثاني، ؤام ملوك فرنسا، فرنسوا الثاني، شارل التاسع وھنري الثالث مارست السلطة الحقیقة خلال سنین قصور شارل التاسع، وحاولت المستحل من ٔاجل الحفاظ لھم على ٕارثھم، بممارستھا سیاسة التوازن بین القوى البروتستانتیة والكاثولیكیة.

  7. Le Colloque, tenu à Poissy le 9 septembre 1561. Perrissin, Jean Jacques (graveur) ; Tortorel, Jacques (Graveur). Partie de Premier volume contenant quarante tableaux ou histoires diverses qui sont mémorables. 1569-1570. BnF, département Estampes et photographie, RESERVE ED-9 (1)-FOL

  8. ھنري الرابع )١٦١٠-١٥٥٣(

    على رٔاس سلالة بوربون، اضطرته الظروف ٕالى تغییر عقیدته عدة مرات، ربته ٔام بروتستانتیة، لكنه كان رھینة في قصر كاترین دو میدیسیس. بروتستانتي في وقت اعتلائه الغیر متوقع لعرش فرنسا، في ظل غیاب خلف في سلالة فالوا، الحظ بعد سنوات قلیلة ٔانه لا یمكنه حیازة مملكته دون اعتناق الكاثولیكیة، ھذا ما قام به سنة ١٥٩٣. تمكن بعد ذلك من ھزیمة ملك فرنسا )١٥٩٨(، ومن فرض مرسوم نانت )١٥٩٨(، وثیقة التعایش في

    التعصب. اغتاله مع ذلك متطرف كاثولیكي سنة ١٦١٠.

السابقالسابقالتالي التالي 
استقبالاستقبالطبع طبع  الدكتورة بياتريس نيكولييه ،معهد تاريخ الإصلاح،جنيف (سويسرا) إسناد - غير تجاري - غير قابل للتغيير تم إنجازه بسيناري Scenari (نافذة جديدة)