السياسة والدين وبناء الدولة (القرن11 -16 / 19)

الاستعارات السياسية الدينية للخوارج والزيدية والسنة

امتد غزو المسلمين للمغرب الكبير، الذي بدأ مع الاستيلاء على طرابلس سنة 642، على أكثر من نصف قرن. وصلت القوات إلى الساحل الاطلسي لشمال إفريقيا بعد انتصارات موسى بن نصير (708-709) العسكرية. إن الأرض والسكان الذين هم في مجملهم أمازيغ، خضعوا لسلطة حاكم أغلبي[1] استقر بالقيروان . طعن الخوارج[2] في هذه السلطة كما أنهم عارضوا في الوقت نفسه السلطة الخليفية وخصومهم الشيعة الذين جعلوا اعترافهم السياسي-الديني في نسل علي بن أبي طالب (مات 662)[3] وفاطمة[4] . استولى الخوارج على مدينة طنجة سنة 730 وأشعلوا ثورة عارمة سنة 742. إن سقوط الأمويين بدمشق سنة 750 كان لصالح سلالة جديدة، وهم العباسيون الذين نقلوا مركز سلطة الخلافة إلى بغداد، بينما حكم فرع من الاسرة الأموية في الاندلس. خوّل هذا الحدث للجهة الغربية من الإمبراطورية حكما ذاتيا قويا. وفي جنوب البوغاز، فرض الشيعة الفارون من الاضطهاد بالشرق أنفسهم في نهاية القرن الثامن : الأدارسة (789-986). ادعى إدريس الأول[5] الانتماء إلى سلالة علي، استقبله سكان وليلي الأمازيغ بحفاوة سنة 788، وأعلن سلطته في وجه خوارج تلمسان. أسس عاصمة على النهر الأيمن لوادي فاس سنة 789، لكن تمّ اغتياله بناءا على أمر من الخليفة العباسي في 792. تمكن إدريس الثاني (793-828)[6] الذي وُلد بعد وفاة والده من تحقيق نوع من الاستقرار من حوله وذلك باستخدامه الدبلوماسية والقوة. أضاف إلى فاس الأولى فاس ثانية، جهزها بسور سنة 809، والتي سرعان ما أصبحت مركزا تجاريا وثقافيا للغة العربية، حيث تم بناء مسجد القرويين، سنة 859. قطع العلاقات مع الخوارج. إن نظام شبه- دولة لازال في بداياته : يضرب الحاكم النقد، ويجمع الضرائب، ويقود العمليات العسكرية. زيادة إلى ذلك، لم تستطع دينامكية فاس أن تحد من الانقسامات السياسية : لقد فتح تقسيم المملكة بين أبناء إدريس الثاني جبهات من النزاعات التي أضعفت السلطة إلى حد كبير لصالح إمارات مستقلة وفرع أندلسي للسلالة الموحدية.

إن تقسيم السلطة الغامض، حسب المصادر، لا يعيق استمرارية أسلمة السكان. انهارت السلالة الحاكمة تدريجيا ابتداء من القرن التاسع ، وتلطخت هيبة اسمها. وقد سجل الجغرافي البكري، من بين الأحداث المختلفة عملا نبذته كل ساكنة فاس : اغتصاب يحيي الثاني[7]، شابة يهودية في حمام عمومي، والذي عرف كذلك بإدمانه الخمر. إن استمرار المواجهات بين القبائل الأمازيغية والعربية والخوارج كان سببا في بلورة التفرقة.وقد استفاد الفاطميون[8] ، مؤسسو سلالة شيعية حكمت إفريقية ، من هذا الضعف للهجوم على مدينة فاس في 921، وأقام أمويو قرطبة حامية بسبتة. كانت بعض المجموعات القبلية تمثل المدافع الفعلي عن السلطة : زناتيو الغرب، وغمارة الريف، وبورغواطة الشاوية، ومصمودة الأطلس الكبير، وصنهاجة الجنوب. لقد ظلت القاعدة العقائدية تتأرجح طالما هناك عناصر وثنية وأخرى تعود إلى الشيعة والخوارج تختلط بالسنة التي أصبح لها حضور هام.

تعود أصول المرابطين إلى قبيلة جدالة صنهاجة الأمازيغية .في سنة 1058، خاضت جماعة من المحاربين المقاتلين باسم الإسلام ،كانت قد استقرت في جزيرة قريبة من السينغال الحالي، معارك ضد الإمبراطورية الإفريقية لغانا التي انهارت سنة 1077. شن المرابطون الذين تجمعوا حول يوسف بن تاشفين[9]، المؤسس الفعلي للدولة المرابطية (انظر)، هجوما على الشمال، وأنشؤوا مركز سلطتهم بمراكش. تمت دعوتهم لقيادة الجهاد ضد الحكام المسيحيين في شبه الجزيرة الأيبيرية سنة 1085. أحرزوا نصرا حاسما ضد ألفونسو السادس[10] بالزلاقة سنة 1086. شملت إمبراطورية يوسف بن تاشفين عند وفاته، الأندلس وجزءا كبيرا من إفريقيا الشمالية. إلا أن الموحدين سيطيحون بهم بعد ذلك بنصف قرن "أولئك الذين يقرون بتوحيد الله". ينتسب الموحدون المنحدرون من القبائل البربرية للأطلس الكبير لفكر ابن تومرت. ترسخت قوتهم بعد وفاة هذا الأخير بتحفيز تابعه عبد المؤمن (1094-1130-1163)[11]. استولى هذا الأخير على تلمسان وفاس ومراكش قبل عبور البحر الأبيض المتوسط لغزو قرطبة سنة (1148) وغرناطة (1154) المرابطيتين . انتهت هذه الحروب بين المسلمين، بإضعاف مواضعهم أمام الممالك المسيحية حيث أنه تمّ خلع أحد خلفاء عبد المؤمن بعد انهزامه في معركة العُقاب (لاس نافاس دي تولوسا) سنة (1212). في إفريقية، فرضت سلالة محلية نفسها : الحفصيون بتونس سنة (1236)، وبنو عبد الواد بتلمسان (1239)، والمرينيون بمراكش(1269).

  1. ٔاغلبي

    سلالة عربیة تنحدر من قبائل بني تمیم ٔانشئت في المغرب الكبیر. بین )٩٠٩-٨٠٠(، امتدت سلطتھم في وسط المغرب الكبیر، وجنوب شبه الجزیرة اإلیطالیة والجزر الحالیة ) سردنیا، كورسیكا، مالطا، وصقلیة(. كانوا موالین للخالفة العباسیة، وبعدھا ٔاعلنوا استقلالھم.

  2. الخوارج

    "ھؤلاء الذین خرجوا" عن التحالف مع علي وقد اتھموه بأنه لم یستعمل جمع الوسائل لھزیمة خصمه معاویة، حاكم دمشق الذي طعن في شرعیته.

  3. علي بن ٔابي طالب

    علي بن ٔابي طالب )ت. ٦٦١( ابن عم وصھر نبي اإلسالم محمد، وھو رابع "خلیفة" بالنسبة للسنة، ؤاول "ٕامام" بالنسبة للشیعة الذین لا یعترفون باختیار ٔ ابي بكر ك"خلیفة" ٦٣٢؛ قتله عضو من جماعة الخوارج في سنة ٦٦١، الذین اتھموه بعدم قیادة الصراع بكل القوة الالزمة ضد حاكم دمشق، معاویة الذي ٔاسس الدولة االمویة في سنة ٦٦٢.

  4. فاطمة

    بنت محمد، وزوجة علي، ٔام الحسن والحسین، اللذین یعتبرھما الشیعة كثاني وثالث "ٕامام".

  5. ٕادریس األول

    یعود ٔاصله ٕالى المدینة، ینحدر من ساللة علي، وھو شیعي من فرع الزیدیة، فر من السلطة العباسیة، واستقر بمنطقة ولیلى )فولوبسلیس في العصور القدیمة(. ٔاسس ساللة ودولة جنین حكمھا لمدة خمس سنوات )بین ٧٨٨ و٧٩٣( قبل موته.

  6. ٕادریس الثاني

    ٕادریس الثاني ھو االبن الذي ولد بعد وفاة ٔابیھ ٕادریس األول، تلقى بیعة )شكل من الوالء( رٔوساء قبائل األطلس، وھو في سن العاشرة. ٔاعطى للساللة وزنا سیاسیا وعسكریا حقیقیا. لكن المیراث تب ّدد بین ٔابنائه الذین لم یتمكنوا من التوافق فیما بینھم.

  7. یحیي الثاني

    حاكم ٕادریسي، تولى الحكم بین سنة ٨٦٣ و ٨٦٦، ٔاثار بسلوك لایتوافق مع العادات والمتطلبات الدینیة، غضب السكان، وتم ٕاجباره على الفرار ٕالى األندلس حیث توفي.

  8. الفاطمیون

    ساللة حاكمة شیعیة، تندرج في فرع الإسماعیلیة. تستمد ھیبتھا وسلطتھا من نسل فاطمة )انظر ٔاعاله(. توسعت سلطتھم بین ٩٠٩و١١٧١، بشكل متقطع، خاصة في بعض مناطق الجزائر المعاصرة ٕالى غایة شمال لیبیا الحالیة مرورا بمصر وجزء من شبه الجزیرة العربیة.

  9. یوسف بن تاشفین

    ثاني حكام المرابطین، خلف ٔابا بكر بن عمر، لقب ب" ٔامیر المؤمنین"، وھو مؤسس ٔاول ٕامبراطوریة في الغرب اإلسالمي، شملت الأندلس بالشمال، وامتدت ٕالى غانا الحالیة وتونس المعاصرة.

  10. ٔالفونسو السادس

    ثاني ٔابناء فیردناد الأول )ت. ١٠٦٥(، وھو ملك لیون )ما بین ١٠٦٥ و ١١٠٩( وقشتالة ) ١١٠٩-١٠٧٦(. سمح له انھیار قرطبة من الاستفادة من الانقسامات بین المسلمین لیستولي على طلیطلة سنة )١٠٨٥(، العاصمة السابقة للقوط الغربیین، ؤانشأ بھا مركز قوته.

  11. عبد المؤمن

    خلف ابن تومرت على رٔاس الموحدین. وھو بربري ینحدر من وسط متواضع، جدبه الخطاب الدیني للواعظ العائد من الشرق. التحق به عندما التجأ ھذا االخیر ٕالى الاطلس الكبیر ؤاعلن نفسه مھدیا. تمكن من فرض نفسه كخلیفة وانتصر في معركة حاسمة ضد المرتزقة الكاتالانیین الذین كانوا في خدمة المرابطین سنة )١١٤٥(. حاصر مراكش سنة )١١٤٧(، ثم غزاھا مبعدا بھذا ٔاتباع المرابطین الذین الحقھم ٕالى غایة االندلس.

    قاد كذلك غزوا منتصرا على مناطق الشرق. بدٔا في تركیز السلطة وتنظیم الضرائب المفروضة. كان یستطیع ٔان یظھر الحلم والعفو وبعكس ذلك العنف. كما ٔانه لم یترك ٔایة كتابة. سجل حكمه ذروة سلطة بین یدي حاكم بربري.

السابقالسابقالتالي التالي 
استقبالاستقبالطبع طبع  مبارك لمين, أستاذ في جامعة أغادير ابن زهر إسناد - غير تجاري - غير قابل للتغيير تم إنجازه بسيناري Scenari (نافذة جديدة)