مقدمة
على الرغم من أنَّ الرسوم الجداريَّة في كنائس لبنان إبَّان القرن الثالث عشر تُشكّل مجموعة صغيرة من التزيين المجزَّء، فإنَّها تبقى شاهدًا واقعيًّا على حركة ازدهرت إبَّان حقبة الصليبيّين، وبشكل خاص إبتداءًا من تأسيس كونتيَّة طرابلس في العام 1104 وحتى العام 1289، تاريخ سقوطها. وتلعب هذه الرسوم دورًا كبيرًا في الفن الصليبي والمحلّي. فوجود الصليبيّين يفترض أنّ جدارات الأبنية الدينيَّة كانت مزيَّنة بمساعدة الحُماة الفرنجة. وهذه الفكرة لا تستقيم إلَّا في إطار من العلاقات الجيّدة بين السلطات الدينيَّة والمدنيَّة اللاتينيَّة والمسيحيّين المحليّين. هذه الرسوم الجداريَّة تُذكّرنا بتلك الموجودة في سوريا إبَّان القرنَيْن الثاني عشر والثالث عشر. غير أنَّ تلك الموجودة في لبنان وُجدت في إطار سياسي وثقافي إفرنجي كما تشير إليه النقوش اللاتينيَّة على جدارات كنائسهم. هناك العشرات من الكنائس الصغيرة القديمة، الموجودة في الجزء الشمالي من لبنان، تتضمَّن خطوطًا ملوَّنة رفيعة تُثبت وجود زينة ملوَّنة في السابق. في مناطق بلاد جبيل، والبترون، والكورة، ووادي قاديشا، هناك أكثر من ثلاثين كنيسة يتضمَّن كلٌّ منها مجموعة من الرسوم الجداريَّة. إنَّ جزءًا كبيرًا من هذا التراث هو اليوم في حالة من التآكل المتقدّم، وذلك على الرغم من كل حملات التأهيل والحفظ التي قامت بها بعض المنظَّمات غير الحكوميَّة والمديريَّة العامَّة للآثار.
في منقطة جبيل، في جبلة الصليبيّين، هناك أربعة أماكن موجودة في الجبال المُحيطة بمدينة جبيل حيث محفوظ وسط كنائسها زينة مرسومة تعود للقرن الثالث عشر، وهي: سان تيودور[1] في بحديدات، ومار شربل في معاد، ومار الياس في بلاط والسيدة في قصوبا. فيما خصَّ دراستنا، فإنَّنا سنهتمُّ بالنموذج التصويري الموجود في كنيسة مار تادروس – سان تيودور في بلدة بحديدات. وبحسب المستشرق إرنست رينان[2] ، فإنَّ هذه الأبنية ورسوماتها جديرة بالاهتمام: "الكنيسة قديمة، والرسوم التي تزيّنها من الداخل يمكن أنْ تشكّل النموذج الأكثر قيمة للفن السوري".