الأيقونة: مِن موقعها المركزي إلى الرفض فالتبرير
من ضمن الثقافة الرومانيَّة-البيزنطيَّة في القرنَيْن الرابع والخامس، كان يُنظر للتصويرات الرمزيَّة للمسيح وللثالوث كانعكاس لقواعد متطابقة مع المراجع البيبليَّة: "لا تقوم بصناعة أوثان لك ولا أي صورة للسماء، ولا تقوم بالسجود امامها" (سفر الخروج)؛ "ولكن تأتي ساعة وقد حضرت الآن فيها العبَّاد الصادقون يعبدون الآب بالروح والحق. فمثل أولئك العباد يريد الآب. إنَّ الله روح، فعلى العبَّاد أنْ يعبدوه بالروح والحق". هناك ثلاثة حيوانات مفضَّلة على غيرها من الحيوانات: الحمل وهو يجسّد صلب البريء يسوع؛ الحمامة وهي تمثّل الروح القدس؛ والسمكة وهي تمثّل المسيح ذلك أنَّ حروف كلمتها في اليونانية – إيختوس – يُمثّل كلٌّ منها بداية كلمات العبارة: "يسوع المسيح إبن الله المخلّص".
لكن خلال القرنَيْن اللاحقَيْن لاقت الأيقونة التي تصوّر الشخص أهميَّة متصاعدة أكان من الناحية الدينيَّة أو من الناحية السياسيَّة. إذ أنَّ المؤمنين المسيحيّين كانوا يرونها وسيلة للتقرُّب من الألوهة. وكان جزء من الإكليروس يُشجّعهم من خلال تعابير الإخلاص لله. من ناحية أخرى وفيما خصّ المساحة اللادينيَّة، فقد كانت السلطات السياسيَّة تستعمل التصوير كما هو الحال إبَّان القرون الوسطى.
مثَّل ليون الثالث قطيعة مع هذا الميل إلى الأيقونة. في العام 725، أطلق حملة ضد الصور محاولًا أنْ يُثير قضيَّة دينيَّة. وقد أيَّد مسعاه هذا أساقفة من مثل يوحنا دي سينادس وقسطنطين دي ناكوليا وتوماس دي كلوديوبوليس. بالمقابل، رفض البطريرك جرمانوس[2] التوقيع على مرسوم إدانة الصور التعبيريَّة لكنَّه أُجبر على الإستقالة من منصبه في العام 730. استمرَّ الإمبراطور في سياسته المعادية للأيقونات حتى العام 741 من دون اللجوء إلى القوَّة. قسطنطين الخامس، خليفته، ذهب أبعد في هذه السياسة خلال انعقاد مجمع هييريا، وهو إسم القصر الواقع في ضاحية القسطنطينيَّة حيث اجتمع الآباء المجمعيُّون بغياب البابا وبطاركة أنطاكيا، وأورشليم والإسكندرية. فمقرَّرات هذا المجمع، والتي فُقد أصلها، تحتوي الموقف العقائدي التالي: بالنسبة للإفخارستيا التي يُنظر إليها على أنَّها "جسد المسيح"، فإنَّ الصورة الرمزيَّة غير قادرة على عكس طبيعة المسيح الإلهيَّة. أمَّا رمز الصليب فقد كان مقبولًا من قبل الآباء المجمعيّين. في خلفيَّة هذه السياسة المعادية للأيقونات هناك المواجهة ما بين الإمبراطور والرهبان الذين كانوا يعترضون على إدّعائه بأنَّه ممثّل المسيح على الأرض. من هنا مهاجمة قسطنطين الخامس المباشرة لكلّ الرموز التي تشير للحالة الرهبانيَّة: إذْ تمَّ إحراق لحى الرهبان في مادَّة الزفت، وتمَّ وصف لباسهم الأسود بـ"لباس القبور"، كما تمَّ مصادرة المقتنيات الرهبانيَّة وأحيانًا تمَّ بيعها.
ولم يتم الحدّ من هذه التدابير إلَّا مع الإمبراطورة إيرينا التي شجَّعت التيَّار المؤيّد لفنّ الأيقونات والتي كان يدعمه العديد من الوجوه المهمَّة في الإكليروس. فقد عارض يوحنا الدمشقي حقّ الإمبراطور في التدخُّل في الشؤون اللاهوتيَّة إذْ اعتبرَ أنَّ لا كفاءة ولا صلاحيَّة للإمبراطور ضمن هذا المجال. وقد برَّر يوحنا الدمشقس[4] استعمال الأيقونات بأنَّ المؤمنين لا يقومون بعبادة الأيقونة بما هي من شيء مادي بل إنَّهم يعبدون ما تمثّله. وقد وافق أهل الإكليروس المشاركون في مجمع نيقية الثاني (24 أيلول-23 تشرين الأول 787) على هذه المقاربة. كما أدان الآباء المجمعيُّون مواقف مجمع هييريا ودافعوا عن فكرة اللجوء إلى الأيقونة كعنصر داعم للبشارة المُعلنة في الكتابات التي تُعتبر مُقدَّسة. كما أنَّهم أدانوا الجهل اللاهوتي للتيار المعادي للأيقونة مدافعين عن شرعيَّة الأيقونة المقدَّسة التي هي بنظرهم حاجة لممارسة التقوى. لقد فشل مجمع نيقية الثاني على المدى القصير، ذلك أنَّ أهل الإكيروس في الإمبراطوريَّة الكارولنجيَّة رفضوا نصوصه. أمَّا أهل الإكليروس في الإمبراطوريَّة البيزنطية فاستمرُّوا على انقسام شديد، وما هي إلَّا فترة قصيرة حتى نجح التيار المعادي للأيقونة بفرض وجهة نظره من جديد. وقد استند ليون الخامس على الأسقف أنطوان دي سيلايون[5] والقارئ يوحنا الغراماتيقي[6] لفرض وجهة نظر التيار المعادي للأيقونة. استمرَّت المرحلة الثانية من معاداة ألأيقونات حتى العام 842 حين خسر هذا التيار نهائيًا معركته. وعلى إثر هذه الخسارة عمّ الازدهار الفني الإمبراطوريَّة، وتمَّ تكريس العديد من الأعمال الأيقونَّية لشخصيَّات دافعت عن مكانة الأيقونة في الكنائس.