سياسة الاستقبال و الدعم : سويسرا
بشكل عام كان لاجئوا اقليم لورين وشمال فرنسا يتدفقون مباشرة الى ألمانيا. وفي المقابل فإن الهاربين من الجنوب غالبا ما يجتازون سويسرا. هؤلاء هم الأكثر عددا إذا أخذنا في الاعتبار أولئك الذين يصلون فرانكفورت (راجع هجرة الهوغونوتي البروتستانتي في القرن السابع عشر). وهذا ليس مفاجأ : ففي جنوب فرنسا حوالي 487 ألف بروتستانتي في 1670، و 174 ألف في الشمال و195 ألف في الغرب (حسب تقدير ميشيل ماجدلين). سويسرا بلد منقسم دينيا بين البلدات البروتستانتية والكاثوليكية منذ القرن السادس عشر. وقع قادتها معاهدة سلام دائمة مع فرنسا بعد معركة مارينيان (1515) وجددوها عام 1663 مع لويس الرابع عشر[1]. ولكن في 1660 بدء اللاجئون الفرنسيون بالوصول و تكاثرت اعدادهم بقوة ابتداء من 1680. وهذا الأمر أقلق البلدات البروتستانتية، لأنه منذ ضم غيكس (Pays de Gex) و فرانش-كونتيه (Franche-Comté) في 1674 (والتي كانتا في يد الاسبان)، لم تستطع أية قوة عظمى ان تتوسط بين الدول المتحدة ومملكة لويس الرابع عشر. وهذا مصدر قلق خاص لأنه في 1681، فرنسا ضمت مدينة ستراسبورغ (Strasbourg)، المدينة الصديقة لبرن (Berne) وزيوريخ (Zurich). و لهذا السبب سأل السويسريون رجال القانون من جامعة بازل اذا كان بإمكانهم استقبال اللاجئين لأسباب دينية، رغم وجود بند في معاهدة السلام تخص تسليم الهاربين الفرنسيين على الاراضي السوسرية. على الرغم من تهديد بنادق قلعة هونانج (Hunningue) الفرنسية، يجيب سكان بازل أن هذا البند من المعاهدة لا ينطبق على اللاجئين لأسباب دينية وبالتالي فمن الممكن استقبالهم.
معظم اللاجئين الذين يعبرون سويسرا كانوا يمرون بلوزان وبرن وزيوريخ، وعدد قليل منهم كان يمر بجنيف ونوشاتيل. و لكن عدد هؤلاء الذين كانوا يمرون بنوشاتيل كان ينمو على مر السنين : يجب التذكير بأن نوشاتيل كانت إمارة تحت سيطرة عائلة لونجفيل Longueville ذات سيادة كاثوليكية فرنسية في مقاطعة بروتستانتية. الدفعة الأولى من اللاجئين كانت نخشى وجود أمير كاثوليكي في نوشاتيل، و لكن التجربة تدل على أن هذا الخوف لا أساس له. أما بالنسبة لجنيف، مدينة كالفن، لم تعد تتمتع بالوضع الذي كانت عليه سابقا : تم استبدال تطويق سافوا (Savoie)، العدو اللدود لروما البروتستانتية، بتطويق فرنسا التى تستقبل على اراضيها مقيما[2] يمارس ضغوطا على الحكومة المحلية ويقوم بإبلاغ الملك عن تدفق اللاجئين بشكل منتظم. وبالإضافة إلى ذلك، كان على المدينة مواجهة مشكلة التموين ومواجهة فترات القحط. على الرغم من هذه الحالة الصعبة، رحبت جنيف بما يقرب 777 لاجئ في عام 1684 و 3352 في عام 1685 و 1488 في عام 1686. عموما، كان اللاجئون يتجهون بسرعة الى اراضي فود (Vaud)، حيث كانوا بين أيادي أباطرة برن الكالفينية الأمنة، و يمكنهم سلك الطريق إلى ألمانيا من خلال عبور بوابة الامبراطورية في بازل أو شافهاوزن (Schaffhouse).
لم يعط للاجئين حق البقاء في أي مكان في سويسرا لأسباب ديموغرافية (حسب السلطات) : تعتبر المدن والريف مليئة بالسكان. إلى جانب الوضع الاقتصادي السيئ في أواخر القرن السابع عشر، يجب أن نذكر صغر حجم الأراضي، تتخللها الغابات والبحيرات والجبال وضرورة مداراة البلدات الكاثوليكية والضغوطات التي كانت تمارسها فرنسا على جنيف. هذا لم يمنع بعض اللاجئين من إثبات وجودهم بفضل المعارف الشخصية أو لأن مهنهم مفيدة أو لأنهم تمكنوا من الافلات من القانون. المشكلة الكبيرة في سويسرا، التي بينتها ميريام ياردي هي توجيه تدفق اللاجئين وسرعة مرورهم. تستخدم السلطات حلول عنيفة نسبيا، كما كان الحال في 1692 و في 1698 عندما طلبت بطرد اللاجئين بسبب أزمة الكفاف : قررت سياسة العودة في بادن (Diète de Baden) في سبتمبر 1693 و نفذ هذا القرار في عام 1699. ومع ذلك، الكثير من اللاجئين استطاعوا المجيء. طوال المأوى، ابلغوا وكلاء بيرن المأمورين السلطات عن حركات المرور على أراضيها و تم إرسال رسائل إلى نوشاتيل المجاورة للتأكيد بأنهم يرحبون بالمزيد من اللاجئين للتخفيف عن مناطق بيرن وفود المزدحمة جدا. وكان العكس صحيح أيضا، حينما كانت نوشاتيل تعتبر أنها تستقبل اكثر من طاقتها.
زاد عدد اللاجئين في 1680 بحيث قام الحلفاء بإنشاء صندوق الاغاثة مع تخصيص مبلغ للسكن. التقديرات هي 140 ألف لاجئ تم مساعدتهم بين عامي 1660 و1770. ولكن هذا الرقم قديم، وجد في القرن التاسع عشر. للتأكد من صحته ينبغي إجراء تعداد شامل لجميع السجلات من البلدات والقرى السويسرية التي لم تدرس ابدا. و هناك ارقام اكثر دقة وهي معروفة بفضل الأبحاث التي أجريت عام 1980 عن بعض المناطق. و هو حال مدينة نوشاتيل التي درست من قبل ريمي شورور (Rémy Scheurer): من 1661 (بداية وصول اللاجئين) الى 1682العدد لم يتجاوز عدد اللاجئين العشرات. وازداد فجأة في عام 1683 وأصبح 200. و في عام 1684 كان عددهم 385 و967 في 1685، ثم 1300 عام 1686 و اخيرا 4،000 في1687. بين 1684 و 1691، كانت مدينة نوشاتيل فيها 3500 نسمة واستضافت 18 ألف لاجئ داخل جدرانها. وعلى سبيل المقارنة، فإن مدينة زيوريخ، "مديرية" البلدات البروتستانت، عدد سكانها من 7 الى 8 آلاف، استضافت من 1687الى 1692 ما يقارب 20600 لاجئ. في شافهاوزن، بين 1683 و 1692، كان عدد اللاجئين المستغاثين هو 26500 تقريبا، أي بمعدل 4000 لاجئ سنويا لعدد سكان من 5 إلى 6 آلاف. ولكن يجب النظر أيضا الى القرى الصغيرة، عند وجود المحفوظات. ودومبريسون (Dombresson) مثلا, الواقعة في إمارة نوشاتيل، استقبلت ما بين 1680 و1715، 6 آلاف لاجئ في عام واحد عندما كان لديها فقط 348 نسمة في 1712. ولسنة واحدة في 1691، استضافت القرية 1273 لاجئ ! القياس الدقيق لعدد اللاجئين هي عملية في غاية الصعوبة وينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار جميع المدن البروتستانتية في سويسرا، مع تجنب تعداد الشخص نفسه عدة مرات.
غالبا ما يكون اللاجئين محرومين من أي أموال. حين وصولهم الى المدينة، كانوا يتلقون المساعدات[3] من السلطات المحلية. في حين أن البعض تمكنوا من المغادرة مع بعض المال، لكنهم استعملوه في كثير من الأحيان لتلبية احتياجاتهم أو لتمويل المهربين. أيضا العديد منهم تم تجريدهم من قبل لصوص أو جنود. و كان آخرون يصلون متعبين أو مرضى أو مصابين. في مدينة افينش (Avenches) الناطقة بالفرنسية والتي كانت تحت سيطرة بيرن، كانت تنفق على الفقراء في المستشفى 400 فلورين في بدايات عام 1670 و 1600 فلورين في 1694 لعدد سكان يصل الى 1000 نسمة، وهذا يعني الكثير من المال. غالبا ما كان هناك عجز، وكانت تجمع التبرعات : منذ هذا الوقت في نوشاتيل هناك تقاليد لجمع المال للاجئين بعد الصلاة. بالإضافة الى تلك التبرعات المحلية، كانت هناك تبرعات في البلدان البروتستانتية الأخرى كالتبرع الاستثنائي الذي حصل في جميع أنحاء أوروبا في 1703 بعد ضم إمارة اورنج (Orange) من قبل لويس الرابع عشر وطرد البروتستانت منها. لكن سويسرا كانت تتبرع للخارج أيضا (خصوصا ألمانيا) لبناء معبد. كانت الجهود السويسرية مهمة في هذه السنوات الصعبة : في بيرن، وزعت 300 ألف ليرة للاجئين، بما يعادل 20٪ من العائدات للمدينة والأراضي التابعة لها في 1691. كانت سويسرا تشعر بالقلق إزاء مستقبلها، لذلك اتخذت تدابير استباقية. ولذا ما بين 1690 و 1711، قامت بلدة لوكل (Locle) الواقعة في إمارة نيوشاتل بمساعدة حوالي 4000 لاجئ ولكنها كانت تحرص على عدم توزيع كل الأموال التي كان يتم جمعها من خلال التبرعات، خوفا من توقف الأفراد عن تقديم المساعدة.
ان طرق انسجام اللاجئين عديدة وتعتمد على المهنة و النجاح الاقتصادي (على سبيل المثال فيليب سوشارد[4]) حتى ولو لم يدرس بعد تأثيره على المدى الطويل وتعتمد معرفته على بعض الأعمال الرائدة مثل أعمال والتر بودمر (Walter Bodmer). بالنسبة للمزارعين كانت حالتهم صعبة : فهم لم يستطيعوا جلب ممتلكاتهم معهم ولم تتوفر لديهم الامكانيات لشراء غيرها فهم أول من سافروا إلى بلدان بعيدة. و لم يكن الحال نفسه بالنسبة للحرفيين الذين كان لديهم سهولة للاستقرار. في الواقع كانت المجالات المبتكرة هي الأكثر انتفاعا. هذا كان حال البنك وذلك بفضل شبكة البروتستانت المقيمة في أوروبا. هذا كان أيضا حال المنتجات ذات قيمة مضافة عالية لصناعة الغزل والنسيج (الحرير، الهنديات[5] الخ.) أو صناعة الساعات. اذا تم نقل المستوى العالي للمعيشة الفرنسية إلى سويسرا الكالفينية الاكثر تواضعا. لذلك تظاهر العديد من اللاهوتيين ضد ظهور الترف في سويسرا، مثل بنديكت بيكتيت[6] في جنيف أو جان فريدريك أستيرفالد[7] في نوشاتيل، وكان من المألوف وجود شكاوى ضد بعض الفرنسيين البروتستانت الذين لم يحترموا متطلبات اللباس (ألوان كثيرة وارتداء السيوف الخ ...).
في العقود الأولى، الذاتية أو الاقليمية كانت قوية جدا : في لوزان مثلا, عند وقوع نزاع، طلب احدهم بالحكم وفقا لقوانين المقاطعة الأصلية، هذه النزعة "التجميعية" المعززة من قبل النظام القديم تنجلي في بناء العديد من الكنائس الفرنسية في سويسرا، مكرسة للبروتستانت الفرنسيين كما هو الحال في بازل وآرو (Aarau) وزيوريخ و سانتغال (Saint-Gall) وشافهاوزن وفينترتور (Winterthur)، كما قام اللاجئون بإنشاء مؤسستهم الخيرية الخاصة بهم وبجماعتهم. وفي جنيف ولوزان أسس اللاجئون "البورصة الفرنسية" وهي نوع من مؤسسة نقابية صغيرة محلية "برجوازية البروتستانتية". اختفت معظم هذه المؤسسات في منتصف القرن التاسع عشر، عندما تولى التأريخ ذاكرة البروتستانتية الفرنسية. اختفاء هذه المؤسسات يؤكد بمعنى أو بآخر الاندماج الناجح لبعض اللاجئين (20 الف أو 22 الف) الذين استقروا في سويسرا.