خیار الشھادة

الشھادة ھي التعبیر الأسمى للحریة المسیحیة، وھي تبقى موتاً كان یمكن لنا ان نتجنبھ. إن خیار ان نبقى معرضین للخطر، وأن
لا یختبئ من خطر الشھادة، ھو سمة تمیزّ الشھادة المسیحیة. طبعًا، عندما یصبح الخطر داھمًا، یمكن للشاھد أن یقدّر أن الھرب
أو النكران إنما یعادلان التخلي. غیر ان ھذا یندرج ضمن مفھوم لاھوتي واحترازي لا یمكن لأحد أن یفرضھ على الآخر. بكل
الاحوال، وقبل أیة قرارات سامیة، إن خیار ان یبقى المرء في مكانھ من دون ان یختبئ أو ان یخبئ قناعاتھ، یشیر إلى حریة
ذات نتائج غیر متحكّم بھا.
إن موت الشھید لا تشابھ بشيء موت المتعصّب، أو البطل او المتحمّس. الشھادة یمكن أن تحافظ على طابع إشكالي. ھي لیست
ببعیدة عن القلق والشك. […] لكن یعود للشھید الحقیقي ان یقرر إذا ما أراد الموت من دون فقدان الأمل، وحتى لو تعرّض
لتجربة فقدان الأمل كما حصل مع یسوع في الجلجلة. ھذا یشكل فارقاً ممیزًا بالنسبة لھؤلاء الذین یضحون بأنفسھم او یحرقون
أنفسھم من اجل ان یشھدوا على أحقیة قضیتھم وشرعیتھا. بعض “الشھادات الھجومیة” قد تؤدي إلى موت اعدائھم، أو إلى موت
بعض الضحایا الذین أصیبوا بشكل عرضي بالحادث. إن انتحارات كھذه التي توضع في خدمة السیاسة أو الدین تتقاطع مع واقع
وجود یأس عمیق.
یعود للشھید الحقیقي النضال حتى النھایة ضد اللانسانیة والبربریة، ومن أجل مقاومة العنف، وقلبھ وذلك بالذھاب حتى إلى
حدّ أن یرى في جزاریھ رجالًا ضالین وأخوة حقیقیین. إن تحویل العنف إلى حب معطى، على مثال المسیح. إذا كان ھناك من
تأسف، فھو لا یرتبط بالحیاة المھدورة، بل بتشویھ وجھ الآخر، وجھ الجزار، بسبب العنف الذي یندفع إلیھ. […] إن مقاومة
اللاإنسانیة تسبق ھنا المسامحة المعطاة تلقائیاً.