السياسة والدين وبناء الدولة (القرن11 -16 / 19)

مقدمة

الإصلاح الديني هو الحدث الأكثر أهمية في التاريخ الأوروبي للقرن السادس عشر: إذا كان مفهوم الإصلاح نفسه مفهوما قديما جدا، وأن عددا من الأصوات كانت قد ارتفعت خلال القرون الأخيرة من العصر الوسيط من أجل النداء لإصلاح الكنيسة، وعلى رأسها (الثراتُب، البابوية) وبين أعضائها (المؤمنين)، فإن الإصلاح الذي دعا إليه كل من مارتن لوثر[1] (1483-1546) في ألمانيا، هولدريخ زوينجلي[2] (1484-1531) في سويسرا، وجون كالفن[3] (1509-1564) في جنيف، سيساهم في إعادة رسم الخريطة الأوروبية، التي انفصلت مند النصف الثاني من القرن السادس عشر إلى جبهتين عقائديتين[4].

يتعلق الأمر بمذاهب سياسية، رمزان بارزان، مذهب لوثر ومذهب كالفن، هما اللذان ستتم دراستهم. هناك ثلاث ملاحظات تمهيدية تفرض نفسها :

• ليس الفكر السياسي في صميم مذهب الإصلاحيين، طالما أن الإصلاح هو بداية الحدث الذي يتعلق باللاهوت (كيفة إدراك الناس للإله، لاسيما في عمله تجاه البشر) والأنتربولوجيا (كيفية إدراك الناس الإنسان، بالأخص في الحيز الذي يشغلنا في علاقاته بالله). رغم هذا، أدرك الإصلاحيون وبسرعة أنهم لا يمكنهم إهمال صيغة الديني بالسياسي : هذا العنصر فقط هو الذي سيتم مناقشته هنا؛

• بتواجدهما في مجرى الأحداث، يلقي كل من مارتن وكالفن عضات وينشران عددا كبيرا من كتابات الأحوال. فلا الأول ولا الثاني كانا منظرين للفكر السياسي : إن تكريس العدد الكبير من الأعمال لنظرتهما السياسية (خاصة في حالة كالفن) لا يجب تغافله؛

• بديهية أخيرة : تنضوي أوروبا القرن السادس عشر تحت سياق فكري واجتماعي وسياسي حيث يختلط الديني بالسياسي بشدة. وتجدر الإشارة على وجه الخصوص إلى أن المعايير التي تسمح بوضع تعريف "للعلمانية" لا وجود لها في عصر الإصلاح، إلا في حالة استثنائية : ليس هناك حرية المعتقد، والأكثر من ذلك ليس هناك حرية العبادة؛ يفرض الأمير[5] دينه ويحتفظ بالتكاليف العامة لرعاياه الذين هم من دينه؛ تمول الخزانة العامة ممارسة العبادة. في غالب الأحيان (إذا ما استثنينا حالة الأقلية اليهودية التي لا يمكن مناقشتها هنا)، إن المبدأ السائد هو الذي يقول بأن كل منطقة سياسية لا تعرف ممارسة إلا دين واحد. أو حسب الصيغة اللاتينية الشهيرة: "cuius regio, eius religio".

  1. مارتن لوثر

    لاھوتي، ٔاستاذ ورجل كنیسة ٔالماني. عضو ٔاخویة الأغوسطیین، تمرد مبدئیا لأسباب لاھوتیة وصوفیة ضد الكنیسة الكاثولیكیة الرومانیة مؤكدا على ٔاولویة الكتاب المقدس والإیمان. رمز تمرده ھي نشر خمس وتسعون "ٔاطروحة" جدیدة في سنة ١٥١٧؛ یعتبر ھذا التاریخ كبدایة لإلصالح. ظھرت كتاباته الرئیسة في سنة ١٥٢٠؛ وانتشر فكره في جمیع ٔانحاء ٔاوروبا. لكن تأصل بصورة ٔاساسیة في ٔاراضي الإمبراطوریة الرومانیة الجرمانیة المقدسة. ركزت اختالفاته مع روما على مجانیة النعمة الإلھیة وعلى مفھوم العشاء الأخیر. تحدرت منه تیارات بروتستانتیة مختلفة. في سنة ١٥٢٥، لم یدعم الفالحین الثوار الذین كانوا یعتمدون تصریحاته حول الحریة المسیحیة، كما ٔانه وعارض نزعة ٕایراسموس الإنسانیة. لقد ظل

    لوثر منذ ١٥٣٠ حتى وفاته في ١٥٤٦، مستشار العالم المسیحي البروتستانتي وقد تجاوز ذلك حدود الإمبراطوریة الرومانیة الجرمانیة المقدسة.

  2. ھولدریخ زوینجلي

    الھوتي ورجل كنیسة سویسري، نشط بزیورخ.

  3. وجون كالفن

    لاھوتي ورجل كنیسة فرنسي، نشط بصورة رئیسیة بجنیف. ولد بنوایون Noyon، درس الفنون والقانون بباریس ٔاورلیون وبورج. اعتنق الإصالح في سنة ١٥٣٣ وحرر كتابات لاھوتیة. غادر فرنسا ٕالى بازل حیث ٔانشئت لأول مرة في سنة ١٥٣٨، مؤسسات الدین المسیحي. ٔاقام كالفن بجنیف برفقة فارل، من سنة ١٥٣٦ ٕالى ١٥٣٨، وحاول ھناك فرض ٕاعادة تنظیم كنسي وفقا لمبادٔي الإصالح. استقر بستراسبورغ، في سنة ١٥٣٨ ، بعدما تم طرده من جنیف. استدعي ثانیة ٕالى جنیف في سنة ١٥٤١، استقر ھناك نھائیا ٕالى غایة وفاته في ١٥٦٤.

  4. عقائدیتین

    تمیزت المسیحیة الغربیة )ٕارث التیني( نفسھا منذ القرن السادس عشر من خلال عدة فروع تدعى الاعترافات : الكاثولیكیة )حول روما(،" البروتستانتیة )مبدئیا تحت الطاعة اللوثریة ٔاو الزوینجلي-الكلفانیة(، الإنكلیكانیة )في ٕانجلترا(. سیشمل طابع الطائفیة "confessionnalisation "اوروبا في النصف الثاني من القرن السادس عشر.

  5. الأمیر

    السلطة السیاسیة ٔاو الزمنیة ٔاو المدنیة یمكن ٔان یشار لھا حسب مصطلحات مصادر الإصلاح، بكلمات "ٔامیر" )بالمعنى الأوسع لعاھل ( ٔاو "حاكم".

السابقالسابقالتالي التالي 
استقبالاستقبالطبع طبع  المنسق العام : دومينيك آفون، أستاذ محاضر في جامعة لو مان في فرنسا إسناد - غير تجاري - غير قابل للتغيير تم إنجازه بسيناري Scenari (نافذة جديدة)